رغم المكاسب العديدة المسجلة على مستوى التحكم في مؤشرات الاقتصاد الكلي، لا تزال تونس تواجه تحديات لمزيد التحكم في توازن قطاعها الخارجي وبالتحديد في ميزانها التجاري، حيث تمثل نسبة تغطية الواردات بالصادرات حوالي 74 بالمائة، وفق احدث معطيات المعهد الوطني للإحصاء. ومن خلال برنامج إصلاحي واسع النطاق، تعمل الحكومة على تجسيمه على المدى القصير والمتوسط، تأمل السلطات في تغيير المعادلة الاقتصادية عبر الاعتماد أكثر على الإمكانيات غير المستغلة في البلاد لا سيما في مجال التصدير واستقطاب الاستثمار الاجنبي المباشر في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية. ركائز المقاربة الجديدة تتمحور المقاربة الجديدة لتحقيق التوازن في رصيد المدفوعات الخارجية حول فتح أسواق جديدة، وتنويع القطاعات المصدّرة، ومرافقة المؤسسات الصغرى والمتوسطة .ويجمع هذا التمشي كل المقومات اللازمة للنجاح، اذ يمكن أن يوفق في دعم القطاع الخارجي كمحرّك فعّال للنمو الاقتصادي. وعلى الرغم من كل هذه الجهود المتواصلة ولأسباب تهم التطورات الاقليمية والدولية بالأساس، ازداد عجز ميزان المدفوعات الخارجية والمعروف اصطلاحا بالعجز الجاري سنة 2025 في ظل تحديات عديدة ومتشعبة. على نحو مفصل، اتسع العجز الجاري لتونس خلال عام 2025، ليصل إلى 1.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال النصف الأول من السنة، مقابل 1.2 بالمائة خلال العام الماضي، وذلك بسبب تفاقم العجز التجاري. وفي هذا الصدد، ارتفعت الواردات بينما تراجعت أو استقرت الصادرات، مع تأثير واضح لقطاع الطاقة، في هذا الاطار، بشكل خاص. غير أن العائدات السياحية وتحويلات التونسيين العاملين بالخارج ساهمت جزئياً في الحد من تفاقم العجز. مؤشرات احصائية وفقاً للإحصاءات الرسمية، بلغ العجز الجاري لتونس 3.03 مليارات دينار مع نهاية الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، أي بزيادة قدرها 42.3 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ويمثل هذا العجز حالياً نحو 1.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وإذا استمر هذا المنحى، فقد يصل في نهاية عام 2025 إلى حوالي 2.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة ب 1.7 بالمائة سنة 2024 و2.3 بالمائة سنة 2023. هذا ولا تزال خدمة الدين الخارجي، تمثل عبئاً كبيراً على ميزان المدفوعات الخارجية للبلاد رغم التحكم في اعباء التداين بشكل ملموس، إذ استحوذت هذه السنة على 23 بالمائة من عائدات التصدير، مقابل 24.4 بالمائة خلال نفس الفترة من السنة الماضية. رغم ما تمتلكه تونس من بنى تحتية جيدة وموقع جغرافي استراتيجي مميز، إلا أن تجارتها الخارجية تحتاج الى تجاوز بعض اوجه الهشاشة الظرفية وذلك في علاقة بتقلبات الاسواق العالمية. ومن هنا، فقد أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى تحويل القطاع الخارجي وهو مجال اقتصادي استراتيجي وحيوي إلى محرّك رئيسي للتنمية الاقتصادية المستدامة، من خلال سياسات أكثر مرونة ورؤية طويلة المدى تدعم تنافسية الاقتصاد التونسي في الأسواق الدولية لا سيما الواعدة منها. تعليقات