يرتدّ عليه كلامه الآن مثل البومرانغ، في أسوأ لحظة في حياته، بين جدران سجن "لا سانتيه". نيكولا ساركوزي ألقى هذا الخطاب الناري على قناة "تي إف 1" في مارس 2012، في مواجهة عامل. في ذلك الوقت كان رئيس الجمهورية يعيش أسابيع النهاية الصعبة لولايته، بنسبة شعبية في الحضيض، شبيهة بتلك التي يعيشها حالياً رئيس الدولة إيمانويل ماكرون. ساركوزي كان يخوض حملة على الهواء، أمام عامل يبلغ من العمر 58 عاماً و أمام فرنسا بأكملها. زعيم اليمين قال يومها : «ربّ العمل المنحرف يجب أن يُعامَل كمجرم. هناك محاكم في فرنسا و على المحاكم أن تعاقب، لأنك حين تكون مجرماً، يكون الأمر أسوأ بكثير عندما تكون مجرماً من أعلى السلم الاجتماعي مقارنة بالمجرم الموجود أسفل السلم». لم يكن يخطر بباله قط أنّه بعد 13 عاماً سيجد نفسه مصنَّفاً في خانة «المجرم من أعلى السلم الاجتماعي». كان يعتقد على الأرجح، في تلك اللحظة، أن سلوكه الملتبس جداً بخصوص أموال ليبيا لتمويل حملته الانتخابية الفائزة سنة 2007 لن يُكشف أبداً... كان يظن أنه لن تكون هناك أي جهة قضائية تجرؤ على الذهاب إلى النهاية في قضية التنصّت في الإليزيه، التي صدر في شأنها حكم جنائي بحقه (السجن النافذ مع وضع سوار إلكتروني). و كان يعتقد أيضاً أن ملف إسناد تنظيم مونديال 2022 لقطر لن يوضع يوماً على طاولة المدّعين العامين. في مارس 2012، كان رئيساً منتشياً بيقينياته و مشحوناً بغروره و غطرسة أصحاب النفوذ و هو يخاطب الناخبين. بعد أسابيع قليلة فقط، سيتعرض لسحق انتخابي في الاستحقاق الرئاسي على يد المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند، في ختام ولاية مضطربة كان الفرنسيون قد عاقبوه بالفعل بقسوة في كل استطلاعات الرأي. المتاعب القضائية لساركوزي انطلقت منذ اللحظة التي غادر فيها قصر الإليزيه... القضاة كانوا بانتظاره عند خروجه و معهم سيل من الملفات بطول الذراع، في سابقة بتاريخ الجمهورية الخامسة. هذا ما يدفع ثمنه الرئيس الأسبق اليوم، من عمق زنزانته. حتى هناك، الفضيحة تلاحقه، مع قضية الضباط المسلحين المعيّنين من وزارة الداخلية، «وزارته»، لتأمين حمايته إلى جانب طاقم السجون. نهاية درامية لوزير الداخلية الأكثر اندفاعاً – و ليس بالضرورة الأكثر فاعلية – في تاريخ الجمهورية الخامسة. مرور ساركوزي من ساحة بوفو الشهيرة كان لامعاً. فعل كل ما بوسعه ليطغى على أسلافه البارزين : الراحل شارل باسكوا، جان-لويس دوبريه، جان-بيار شوفينمان... تفوّق عليهم جميعاً بأسلوبه القتالي و وعوده «بالتنظيف بالكارشار» في الضواحي. صنع اسماً وصيتاً لنفسه، حتى و لو كان ذلك بثمن أساليب مستعجلة تشبه تلك التي يستخدمها المجرمون. لقد أوقف عدداً كبيراً من المجرمين و المخالفين. الفرنسيون صفقوا له و انتخبوه في 2007. لكن المشكلة أن ذلك الوزير المزعج شديد الحركية في وزارة الداخلية لم يغادره قط عندما دخل الإليزيه. بل أضيفت إلى ذلك الحريات التي كان يأخذها مع الأعراف و مع موقعه كرئيس دولة... مثل ما حدث يوم 23 فيفري 2008 في معرض الزراعة، حين ردّ على أحد المواطنين الرافضين لمصافحته بالعبارة الشهيرة : «اغرب عن وجهي، يا بائس!». لكن الأسوأ على الأرجح كان كل الخطوط الحمراء التي تجاوزها في عدد كبير من القضايا و هي الملفات التي ستطارده طوال حياته، مع إدانات مستحقة رغم عروضه الإعلامية المصحوبة باستنكار مصطنع. و كما قال بنفسه : «عندما تكون مجرماً، يكون الأمر أسوأ بكثير إن كنت مجرماً من أعلى السلم الاجتماعي». هذا كلّه كان حاضراً في الاستقبال الصاخب الذي خصّه به نزلاء سجن "لا سانتيه". هؤلاء يعرفون ما فعله ساركوزي و ما سمح لنفسه بأن يفعله. هؤلاء السجناء يدفعون ثمن ما ارتكبوه و سيسرّهم أن يساعدوا الجمهورية في جعل الرئيس الأسبق يدفع الثمن هو أيضاً. ساركوزي لم يكن يريد أن يعيش الحياة الرتيبة التي عاشها أسلافه في الإليزيه. كان يريد أن يضخ «طاقة» خاصة في مساره كرئيس دولة، و خرج عن كل المسارات المرسومة ليدوَّن اسمه في سجلات التاريخ. و قد نجح في ذلك. تعليقات