رغم أن الحكومة الفرنسية تعيش حالة من الارتباك الشديد، وقد تسقط في أي لحظة إذا لم ينجح الحزب الاشتراكي في فرض مواقفه بشأن التقاعد وفرض الضرائب على الأثرياء، ورغم أن فريق سيباستيان لوكورنو وفرنسا عالقان في خضم أزمات لا تُحصى، إلا أن الجزائر تظل دائمًا على جدول أولويات باريس. «اهتمام» لا تحتاجه الجزائر بأي حال. فبعد مغادرة برونو ريتايو – الوزير السابق للداخلية وألدّ أعداء الجزائر في الحكومة الفرنسية – منصبه (دون أن يبتعد فعليًا عن دائرة القرار)، جاء خلفه شخص أكثر تشددًا: فيليب تابارو، وزير النقل الجديد. الرجل يواجه تحقيقات قضائية بتهم اختلاس أموال عامة وتضارب مصالح والتستر على جرائم مفترضة، ومع ذلك يجد الوقت للتدخل في شؤون الضفة الأخرى من المتوسط. فبينما كان الرئيس إيمانويل ماكرون و وزير الداخلية الجديد لوران نونيز يوجهان رسائل تهدئة خلال إحياء الذكرى الرابعة والستين لمجزرة 17 أكتوبر، قرر تابارو أن ينسف كل ذلك بإثارته ملفًا بالغ الحساسية : الاعتذار الرسمي لفرنسا عن جرائمها الاستعمارية في الجزائر. ويبدو أن الوزير الفرنسي يتحدث من موقع «العارف» بتاريخ هذا الملف، فهو نجل روبرت تابارو، أحد مؤسسي جبهة الجزائر الفرنسية ومن قادة منظمة الجيش السري (OAS)، الميليشيا التي ارتكبت فظائع لا تُنسى خلال حرب التحرير. قال تابارو في تصريح علني: «لسنا مطالبين بالاعتذار عن الماضي، ولا عن الحاضر». وأضاف أن هذا «رأيه الشخصي كمواطن». وتابع موضحًا: «أنا بطبيعة الحال مع عودة العلاقات مع الجزائر في إطار تعاون ضروري، ولكن من موقع القوة والحزم». أما بشأن اتفاق 1968 المنظم لهجرة الجزائريين إلى فرنسا، فقد عبّر الوزير عن موقفه بوضوح، معتبرًا أن إعادة النظر فيه «ضرورة»، في انسجام تام مع خطاب اليمين (حزب الجمهوريين) واليمين المتطرف، اللذين يقدمان إلغاء الاتفاق وكأنه الحل السحري لجميع مشاكل فرنسا. وفي مقابلة مع قناة CNews يوم 24 أكتوبر 2025، ذكّر تابارو بأنه كان من أوائل من طرحوا هذا الملف على جدول أعمال مجلس الشيوخ عندما كان نائبًا. وقال: «عندما كنت في البرلمان كنت بطبيعة الحال من مؤيدي هذا التوجه، أما اليوم فالمسألة ليست من صلاحياتي كوزير، بل تعود إلى وزيري الخارجية والداخلية». من الواضح أن موقف تابارو من الجزائر ومن اتفاق 1968 لا يبتعد عن خط زعيم اليمين ووزير الداخلية السابق برونو ريتايو. وليس من المستبعد أن تكون هذه التصريحات أيضًا محاولة من تابارو للعودة إلى رضا قائده السياسي، خاصة في ظل الانقسامات العميقة داخل حزب الجمهوريين حول المشاركة في حكومة لوكورنو الثانية. زعيم الحزب ريتايو يعارض بشدة انخراط كوادر اليمين في الحكومة، بينما يدافع خصمه لوران فوكييز، رئيس الكتلة البرلمانية، عن خيار البقاء فيها. حتى الآن، يبدو أن كفة ريتايو هي الراجحة داخل مؤسسات الحزب، حيث تم تجميد عضوية جميع الوزراء المنتمين إلى الجمهوريين الذين تحدوا قرارات القيادة، ومن بينهم ستة وزراء، أحد أبرزهم فيليب تابارو. وقد يسعى الأخير إلى مهاجمة الجزائر والجزائريين مجددًا لإثبات ولائه لريتايو وإظهار أنه لم يتخلّ عن المواقف المتشددة التي كان يدافع عنها في مجلس الشيوخ. ويبدو هذا السيناريو مرجحًا خاصة أن بقاء حكومة لوكورنو في السلطة غير مضمون، إذ قد تؤدي التطورات السياسية المقبلة إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة. وعندها سيحتاج تابارو وزملاؤه إلى دعم حزبهم لتجنب «تقاعد سياسي» مبكر. إن الهوس الفرنسي بالجزائر يدخل في إطار هذه الحسابات الانتخابية الضيقة، حيث تتحول العلاقات الثنائية إلى ورقة في لعبة سياسية داخلية، دون أي اعتبار لعمق الجراح التاريخية أو لخطورة زعزعة التوازن بين البلدين. تعليقات