هل حُسمت المسألة في ملف الصحراء الغربية، الإقليم الذي يتنازعه منذ نصف قرن النظام المغربي و جبهة البوليساريو المطالبة بالاستقلال؟ يُنتظر أن يصوّت مجلس الأمن الدولي هذا الخميس 30 أكتوبر على القرار رقم 2025، الحاسم بشأن مستقبل هذا النزاع. و يتعلق التصويت بالمقترح المغربي القاضي بمنح الإقليم حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية و هو مقترح مطروح منذ عقود. و تعمل الرباط على كسب تأييد تسعة من أصل خمسة عشر عضواً في المجلس، لكنها تحتاج قبل كل شيء إلى المناورة بذكاء لتجنّب استخدام أيّ من الأعضاء الدائمين (الولاياتالمتحدة، فرنسا، المملكة المتحدة، الصينوروسيا) لحقّ النقض "الفيتو" — وهو تحدٍّ دبلوماسي من الطراز الرفيع. جدول 30 أكتوبر في الأممالمتحدة : هل تكون الجزائر على المائدة؟ الولاياتالمتحدة حسمت أمرها بعد تردّد الرئيس دونالد ترامب، إذ قرّرت دعم مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. و هي وجهة كانت قد بدأت منذ رئاسة جو بايدن، لكن واشنطن ظلت مترددة و متأرجحة في موقفها. و في حوار حصري مع قناة Sky News Arabia، عبّر مستشار ترامب الخاص لشؤون العالمين العربي و الإفريقي، مسعد بولس، عن "تفاؤل حقيقي"، مؤكداً أنه يسعى لإقناع الجزائر — الداعم الأول لجبهة البوليساريو — بعدم عرقلة المشروع المغربي والأمريكي المشترك. و قال بولس بثقة : "عندما يتم التوصل إلى تسوية دائمة لقضية الصحراء، فإن حلّ الخلاف بين الجزائر و المغرب سيصبح أسهل بكثير". و أضاف أن واشنطن "تعمل مع جميع الشركاء و الحلفاء، و خاصة المغرب و الجزائر، للتوصل إلى قرار في مجلس الأمن يُرضي الجميع قدر الإمكان… و ندرك أن إرضاء الجميع أمر صعب". بولس — و هو مستشار رفيع و مبعوث خاص و راعي أعمال، فضلًا عن كونه والد صهر الرئيس الأمريكي — أوضح أن الولاياتالمتحدة تبذل جهوداً مع "جميع الأطراف داخل مجلس الأمن" من أجل "صياغة لغة تقريبية توحّد المواقف قدر الإمكان، تمهيداً للمرحلة الثانية التي تتعلق بالتسوية الشاملة بين البلدين (…) و جميع المسائل مطروحة للنقاش، بما في ذلك تجديد ولاية بعثة المينورسو (MINURSO)". "موقف واشنطن وترامب واضح جداً" و أكد بولس أن "موقف الولاياتالمتحدة و دونالد ترامب من قضية الصحراء واضح جداً. فترامب اعترف بسيادة المغرب على الصحراء في إطار مبادرة الحكم الذاتي و هذه السيادة ليست موضع نقاش بالنسبة لواشنطن. نحن نعتبر أن المقترح المغربي هو أفضل مشروع مطروح"، على حد قوله. و أضاف أن "المغرب يتقدّم بأفكار بنّاءة ضمن مقترح الحكم الذاتي (…) و نحن متفائلون بخصوص قضية الصحراء، لأننا نعلم أن الملك محمد السادس قرّر المضيّ نحو حلّ نهائي و سريع، كما نعلم أن الجزائريين منفتحون على نقاش بنّاء". بعد ويتكوف و بولس... الرغبة وحدها لا تكفي تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كان قد صرّح مؤخراً بأن السبيل الوحيد لحلّ هذا النزاع هو مفاوضات مباشرة بين الرباط و جبهة البوليساريو، من أجل حسم جميع القضايا العالقة نهائياً. أما الجبهة الصحراوية فقد أعلنت استعدادها للنظر في المقترح المغربي، لكنها شددت على أن أيّ تقدم لا يمكن أن يتم دون إجراء استفتاء لتقرير المصير و هو المطلب نفسه الذي ترفعه منذ عقود. وعليه، فإن إعلان البيت الأبيض عن مواقفه لا يعني أن جميع الأطراف ستنصاع لإرادته. فلو كانت الأمور بهذه البساطة، لتوقّف الكيان الإسرائيلي عن قتل الفلسطينيين في غزة فور سريان وقف إطلاق النار و لأنهت روسيا حربها في أوكرانيا بعد محادثات ترامب الطويلة مع فلاديمير بوتين. باريس مع الرباط و ماذا عن بكين و موسكو ؟ من المعروف أن فرنسا ستصوّت لصالح المقترح المغربي، بعدما أعلنت رسمياً في 30 جويلية 2024 دعمها لسيادة المغرب على الصحراء الغربية و هو موقف تبنّته لاحقاً دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، التي شرعت بالفعل في إعداد مشاريع استثمارية كبرى في الإقليم. و من المؤكد أن الولاياتالمتحدة و المملكة المتحدة ستصوّتان في الاتجاه نفسه، لكن الموقفين الصيني و الروسي ما زالا غامضين. فالعلاقات بين الرباط و بكين ممتازة، لكن الصين تربطها أيضاً علاقات استراتيجية قوية بالجزائر. أما الروابط بين الجزائر و موسكو فهي راسخة و عميقة. ما يعني أن المشهد أكثر تعقيداً بكثير مما يقدّمه "صانع السلام" ترامب، الذي يدّعي أنه أنهى ثماني حروب و يريد إضافة الصحراء الغربية إلى قائمة "إنجازاته"، قبل أن يختتمها بحلّ الأزمة الأوكرانية — وكل ذلك بدافع هوسه القديم ب جائزة نوبل للسلام. لكن الحقيقة أن الرغبة لا تكفي وحدها لتحقيق النتائج، حتى بالنسبة لمن يُعدّ أقوى رجل في العالم. فذلك "الخطاب الذي يقرّب وجهات النظر قدر الإمكان"، كما يقول بولس، لم تنجح واشنطن بعد في صياغته، لا بشأن الصحراء الغربية ولا بشأن الصراع الخفي بين المغرب و الجزائر. أما ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب الخاص للشرق الأوسط، فقد منح نفسه مهلة 60 يوماً لدفن الحرب بين الجارتين المغاربيتين... لكن إن كانت هذه المهلة تشبه "24 ساعة" أو "ستة أشهر" التي وعدت بها واشنطن لإنهاء حرب أوكرانيا، فإن الانتظار قد يطول لسنوات. و ليس ذلك بالضرورة بسبب ويتكوف، رجل الأعمال الذي تعرّف إلى الدبلوماسية يوم تعيينه بل لأن جذور هذه الأزمة معقدة للغاية. أما البيت الأبيض، فهو يميل إلى السطحية و البساطة في التعاطي مع الملفات الشائكة — و لعل ذلك قدره، إذ إن الواقع سيظل أعقد و أصلب مما يتصوّر. تعليقات