ما الذي حدث فعلاً في 31 أكتوبر 2025 داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بخصوص قضية الصحراء الغربية؟ ما الذي صوّت عليه بالضبط الأعضاء الإحدى عشر في المجلس، وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للرباط، وللجبهة الصحراوية المطالبة بالاستقلال، وللداعم الرئيسي لها، الجزائر؟ و لماذا اعتبر المغاربة ذلك اليوم «انتصاراً تاريخياً» إلى حدّ الخروج للاحتفال في الشوارع؟ نص القرار كان بصيغة غير حاسمة أوّل ملاحظة : نصّ مشروع القرار الأمريكي جاء بصيغة الشرط. فقد ورد فيه أن «خطة الحكم الذاتي المغربية قد تكون…» و هكذا جاء مجمل النص، ما يعني بوضوح أن مقترح الرباط ليس الخيار الوحيد أو النهائي، وأن هناك مسارات أخرى ممكنة. هذا من حيث الشكل و هو أمر حاسم في حد ذاته. أمّا في الجوهر، فقد عاد إليه وزير الشؤون الخارجية الجزائري أحمد عطاف بتفصيل أدق. محاولة مغربية ل«فرض أمر واقع» عطاف كشف عن تفاصيل جلسة التصويت و شرح أسباب امتناع الجزائر عن المشاركة فيها، متهماً المغرب بمحاولة «تمرير خطوة غير مسبوقة بالقوة» في ملف الصحراء الغربية. و أوضح أن مجلس الأمن يعقد جلستين سنوياً حول هذا النزاع : الأولى في أفريل لتقييم عمل بعثة المينورسو و الثانية في أكتوبر لتجديد ولايتها. و قال الوزير الجزائري : «المغرب كان يسعى لتمرير ثلاث أفكار رئيسية : الأولى، تفكيك بعثة المينورسو أو تغيير طبيعة مهامها جذرياً. الثانية، فرض خطة الحكم الذاتي كحلّ وحيد و نهائي لقضية الصحراء الغربية. و الثالثة، القضاء نهائياً على فكرة الاستفتاء لتقرير المصير. و هذا ما يفسّر الحماس غير العادي الذي لاحظناه هذا العام حول الملف الصحراوي». النسخة الأولى من القرار كانت منحازة للمغرب و في حديثه عن القرار الذي صوّت عليه مجلس الأمن، أشار عطاف إلى أنه من الضروري العودة إلى أهداف المغرب الواردة في النسخة الأصلية لمشروع القرار الذي تقدّمت به إدارة دونالد ترامب و التي كانت تتضمن تقليص ولاية المينورسو إلى «ثلاثة أشهر» فقط بدلاً من عام. و أوضح عطاف : «بعد ذلك، كان يُفترض أن يتم إما حلّ البعثة أو تحويل مهمتها لدعم تنفيذ خطة الحكم الذاتي كما أراد المغرب. هذا هو أول عنصر اختلال. ثانياً، كانت خطة الحكم الذاتي المغربية تُقدَّم كالإطار الوحيد و الحصري لتسوية القضية الصحراوية، فيما أُدرج حق تقرير المصير داخل هذا الإطار نفسه». النسخة النهائية : لا ذكر للسيادة المغربية لكن في النص النهائي الذي تم اعتماده، تم حذف الإشارة إلى «السيادة المغربية» التي أرادت الرباط ترسيخها، إذ قال عطاف: «لا توجد أي إشارة إلى السيادة المغربية أو إلى الدولة المغربية في القرار». و أضاف : «ثالثاً، لم تعد خطة الحكم الذاتي الإطار الوحيد. فالمجال فُتح أمام أفكار و خطط بديلة أخرى، كما فُصل حق تقرير المصير عن خطة الحكم الذاتي، بحيث يجب أن يُمارس وفقاً للشرعية الدولية. رابعاً، بعثة المينورسو التي أراد المغرب حلّها أو تحويل مهامها، تم تمديد ولايتها لعام إضافي». الجزائر كانت على وشك التصويت لصالح القرار و كشف عطاف عن معلومة مفاجئة قائلاً: «الجزائر كانت على وشك التصويت لصالح القرار» الذي اعتمد يوم الجمعة حول الصحراء الغربية ، «لكن في الليلة التي سبقت التصويت، طلبنا حذف فقرة تتعلق بالسيادة المغربية من ديباجة القرار و كنّا سنصوّت لصالحه لو حُذفت. غير أن الفقرة بقيت كما هي و لهذا لم نشارك في التصويت». بهذا التصريح ، يؤكد الوزير الجزائري ما كشفه مصدر دبلوماسي جزائري لموقع TSA ، مشيراً إلى أن العالم كان قريباً جداً من حدث تاريخي أكبر من «الانتصار» الذي أعلنته الرباط : إذ كان يمكن للجزائر و المغرب أن يصطفّا خلف نفس النص ، ما كان سيشكل خطوة حقيقية نحو حلّ النزاع الصحراوي وربما تمهّد لتخفيف التوترات الأخرى بين البلدين. بين الجزائر و الرباط : صراع نصف قرن و للتذكير، فإن الجارتين قطعتا علاقاتهما الدبلوماسية في أوت 2021، بينما يعود النزاع الصحراوي إلى نحو 50 عاماً. و هو ما يبرهن أن حتى لو اتفقت الأطراف على تسوية هذا الملف الشائك، فلن يبدّد ذلك الخلافات الأخرى. لذلك يدعو عطاف إلى البناء على مبادرة اليد الممدودة التي أطلقها الملك المغربي محمد السادس تجاه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. الرباط التقطت التعقيدات... و واشنطن أخفقت في فهمها و يُلاحظ أن العاهل المغربي كان أكثر تحفّظاً من سفيره لدى الأممالمتحدة يوم التصويت و هو ما قدّرته الجزائر ، التي رأت في هدوء القصر الملكي إشارة إيجابية بعد ما سمّته الرباط «انتصاراً تاريخياً». ليست هذه المرة الأولى التي يمدّ فيها محمد السادس يده للجزائر ، غير أنه لم يجد بعد «الوصفة السحرية» لتذويب الجليد بين البلدين. ما هو مؤكد ، هو أن الرباط تدرك تماماً حساسية و تعقيد الوضع ، خلافاً للمبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيفن تشارلز ويتكوف، الذي تخيّل أنه قادر على تحقيق السلام بين الجزائر و المغرب في غضون ستين يوماً فقط — و هي مهمة أقرب إلى المستحيل، رغم أن الجميع يتمنى نجاحها ليحظى المغرب العربي الكبير، المنطقة الأقل اندماجاً في العالم، بمستقبل يوازي إمكاناته الاقتصادية الهائلة. تعليقات