من حادثة السرقة التي شهدها متحف اللوفر يوم 19 أكتوبر الماضي إلى الطبق المغاربي الأشهر، الكُسْكُس – دون الخوض في الجدل حول أصوله المغربية أو الجزائرية أو التونسية – الذي بات جزءًا من التراث الغذائي المتوسطي على ضفتي البحر. هكذا نجح جامع التحف بيار-جان شالنسون في المزج بين عالمين متباعدين خلال حلوله ضيفًا على برنامج Tout beau, Tout n9uf (TBT9) الذي يقدّمه سيريل حنونة على قناة W9، حيث لا تزال تصريحاته تثير الجدل حتى الآن. شالنسون، المعروف بشغفه بكل ما هو أثري (وقد لمع نجمه في برنامج Affaire conclue على قناة France 2)، خرج عن طوره أثناء تعليقه على اختفاء جواهر التاج الفرنسي، التي لم يُعثر عليها رغم سلسلة الاعتقالات الواسعة. و قال على الهواء مباشرة : «كان ستيفان برن في حالة يُرثى لها... أما رشيدة، فهي ملكة الكُسْكُس!». لا اعتراض على تعليقه بشأن المذيع ستيفان برن، لكن الإشارة إلى وزيرة الثقافة رشيدة داتي لم تمرّ مرور الكرام. إذ سارع عدد كبير من مستخدمي الإنترنت إلى التنديد بالطابع العنصري لتصريح شالنسون، معتبرين أن اختزال الوزيرة الفرنسية من أصل مغربي في طبق الكُسْكُس أمر مهين. للمرة الأولى، لم تردّ رشيدة داتي، المعروفة بحدة ردودها، إذ تكفّل رواد الشبكات الاجتماعية بالدفاع عنها بشراسة، فيما التزم شالنسون الصمت قبل أن يردّ لاحقًا. «أنا لست عنصريًا!» فقد كتب جامع التحف، المتخصّص في مقتنيات نابليون (و الذي اضطرّ لبيع مجموعته في المزاد لتسديد ديونه)، رسالة على منصة X قال فيها : «أنا عنصري؟! أنا عنصري؟! كان عليكم أن تصمتوا ! لو عرف من ينتقدونني حياتي المهنية و الاجتماعية و العاطفية لدهشوا حقًا… أنا عاشق للتنوّع ! الرجال الذين أحببتهم منحوني القوة للنضال… منذ أول زيارة لي إلى تونس لدى فريديريك ميتران و حتى اليوم! أنتم مثيرون للشفقة… و خطرون. أنتم سمّ المجتمع و تريدون موتنا!». من المغرب – رشيدة داتي – إلى تونس – فريديريك ميتران، هكذا حاول شالنسون توضيح موقفه، لكنه لم يكتفِ بذلك. إذ عاد يوم الأحد الماضي ليصبّ الزيت على النار، ناشرًا عبر حساباته مقطع فيديو له أمام طبق كُسْكُس ملكي، مرفقًا بالتعليق التالي: «أصدقائي الأعزاء، ترون هذا؟ كُسْكُس عائلي صغير مع والدتي، وصديقي، وحماي. هذا هو ما أحب، هذه هي فرنسا الحقيقية: التنوع ومنتجات الأرض. أعددنا هذا الكُسْكُس وفكرنا بكم. تحيا الجمهورية، تحيا فرنسا! لا تكونوا عنصريين، لأن من يصرخون ضد العنصرية غالبًا ما يكونون هم العنصريين. أما أنا فلست عنصريًا، وأقولها بوضوح: إلى الجحيم بكم. تحيا فرنسا!». دبلوماسية الكُسْكُس... بين التقريب و الإثارة تذكّرنا هذه الواقعة بما فعله رئيس بلدية مرسيليا خلال مهرجان Kouss Kouss، حين أراد أن يجعل من الكُسْكُس وسيلة لتعزيز التعايش والتنوّع الثقافي. غير أن البعض رأى في مبادرته رسالة سياسية مضمَرة، ولم يتردد في إطلاق تعليقات مسيئة، على غرار ما قالت وزيرة الزراعة والسيادة الغذائية الفرنسية، آني جينيفار، عندما عُرضت عليها حملة ترويجية للمأكولات التقليدية، إذ صرّحت بأن الكُسْكُس «ليس فرنسيًا» — خلافًا للمغني الشهير مارك لافوان الذي غنّى في أغنيته «C'est ça la France» أن هذا الطبق جزء من هوية فرنسا. وبالنسبة لشالنسون أيضًا، فإن الكُسْكُس ليس فرنسيًا في الأصل، لكن هذا ما يجعله – بحسبه – جسرًا رائعًا بين الشعوب. لقد أخطأ بالتأكيد في تعبيره عن السيدة داتي، لكن لا يمكن إنكار حسن نيّته. نتمنى فقط لو أن وزيرة الزراعة وزعيم حزبها، الوزير السابق للداخلية برونو ريتايو، يتحلّيان بالروح ذاتها. فلنحلم قليلًا… تعليقات