من المبكر جدًا الخروج بخلاصات نهائية، و لا أحد يجرؤ على ذلك، بالنظر إلى ليونة الرئيس الأمريكي في التعامل مع روسيا، و إلى الموقف «السريالي» الذي أظهره دونالد ترامب إلى جانب فلاديمير بوتين في ألاسكا خلال أوت الماضي، فضلًا عن الإشارات المقلقة التي بعث بها الجمهوري أمام القادة الأوروبيين بعد أسبوع فقط من تراجعات ألاسكا. ما أصبح واضحًا هو أن أوكرانيا لن تحصل على صواريخ «توماهوك» – على الأقل ليس الآن – لكن صواريخ ATACMS الأمريكية (النظام الصاروخي التكتيكي للجيش)، ذات المدى البعيد و القوة التدميرية الهائلة، باتت بالفعل في كييف... و تُحدث صدى واسعًا. منذ 24 فيفري 2022 تقاتل أوكرانيا و يدها مقيّدة، مُكبّلة بقرارات غربية تمنعها بشكل قاطع من ضرب الأراضي الروسية، في حين يمنح بوتين نفسه كل الصلاحيات للضرب داخل أوكرانيا. و قد أسفرت هجمات الليلة الماضية عن 25 قتيلًا، وفق حصيلة أولية. و في نهار 18 نوفمبر، استخدمت قوات فولوديمير زيلينسكي صواريخ ATACMS الباليستية المرهوبة، القادرة على إلحاق أضرار جسيمة بالبنى التحتية العسكرية للعدو. لم تكشف السلطات الأوكرانية أي تفاصيل عن الأهداف، إلا أنّ عددًا كبيرًا من المدونات المتخصصة في الشؤون الدفاعية رجّحت أن منشآت عسكرية في مدينة فورونيج، الواقعة على بُعد 170 كيلومترًا شمال شرق أوكرانيا، قد تكون تعرضت للقصف. و قد أكد الجيش الأوكراني تنفيذ ضربات داخل الأراضي الروسية، في سابقة هي الأولى من نوعها... آخر هجوم من هذا النوع يعود إلى 14 جانفي من هذا العام، أي قبل العودة الرسمية للرئيس ترامب إلى البيت الأبيض في 20 جانفي 2025. أما أول ضربة بصواريخ ATACMS فكانت قبل عام بالضبط، في 19 نوفمبر 2024. وهذا يبيّن مدى تردد واشنطن في هذا الملف، ربما خشية الانزلاق إلى مواجهة أوسع يخشاها الجميع، وخاصة أوروبا. فالمستشار الألماني، على سبيل المثال، تراجع عن وعده بتسليم صواريخ «تاوروس». ما الذي دفع ترامب إلى الموافقة على خطوة كان يرفضها سابقًا؟ المؤكد أنّ تعنّت سيد الكرملين ورفضه جميع مقترحات وقف إطلاق النار غير المشروط لعب دورًا كبيرًا، خاصة وأن ترامب يدّعي أنه فرض السلام في العالم بأسره. هل سيستمر الضوء الأخضر من البيت الأبيض – الذي يرعب موسكو – لفترة أطول؟ سؤال ما زال معلّقًا... لكن ما هو مؤكد أن هذه الضربة توحي بأن دفعة جديدة من صواريخ ATACMS وصلت إلى أوكرانيا، وهو إنجاز كبير لزيلينسكي باعتبار أن الولاياتالمتحدة لا تنتج هذه الصواريخ بكميات ضخمة. فالمدفعية الصاروخية الأمريكية لا منافسين كثيرين لها حول العالم، ووسائل التصدي لها شبه معدومة... و لا شك أن هذه الصواريخ، التي يبلغ مداها 300 كيلومتر، ستكون بمثابة طوق نجاة للقوات الأوكرانية المُستنزفة على جبهات عدة، خاصة في بوكروفسك. فهي قادرة على نشر الفوضى في الخطوط الخلفية الروسية، وإجبار بوتين على التركيز أكثر على حماية الداخل الروسي... تلقائيًا، سيؤدي ذلك إلى تخفيف الضغط على خطوط الدفاع الأوكرانية. و على المدى المتوسط، قد يسمح ذلك بإعادة التوازن – ولو قليلًا – في ميزان القوة على الأرض، خاصة وأن الروس يفوقون الأوكرانيين عددًا على الجبهة (فالآلاف من القتلى يوميًا لا قيمة لهم بالنسبة لموسكو). و يبقى السؤال هو : كم عدد صواريخ ATACMS التي وصلت إلى كييف ؟ و كم ستدوم «سعة صدر» ترامب؟ اشترك في النشرة الإخبارية اليومية لتونس الرقمية: أخبار، تحليلات، اقتصاد، تكنولوجيا، مجتمع، ومعلومات عملية. مجانية، واضحة، دون رسائل مزعجة. كل صباح. يرجى ترك هذا الحقل فارغا تحقّق من صندوق بريدك الإلكتروني لتأكيد اشتراكك. تعليقات