كانت سفينة المغرب مثقلة أصلًا، وها هي المملكة تضيف تعهّدًا جديدًا باتجاه إسرائيل، و كأنها مُلزَمة بأن تقدّم دائمًا المزيد. صحيح أن دولًا أخرى طبّعت علاقاتها مع الكيان العبري (الأردن، مصر، البحرين، الإمارات العربية المتحدة، وغيرها)، لكنها على الأقل تمتلك الحد الأدنى من الحياء فتتحرّك في الظل كي لا تصدم شعوبها. و هذا أقلّ ما يجب فعله في ظلّ الفظائع التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة و لبنان و سوريا... ومع ذلك، مضت الرباط لتضيف خطوة جديدة بعد دعوة الفرقة «غولاني» سيئة الصيت، وبعد الصلوات التي رُفعت لأجل قتلة المدنيين في غزة، وبعد استئناف الرحلات المباشرة بين المغرب و إسرائيل. هذه المرة «تميّز» المغاربة بالوقوف إلى جانب نحو عشرين دولة غربية و آسيوية شاركت في ندوة نظّمها الجيش الإسرائيلي، هدفها الترويج ل«الدروس المستخلصة» من الحرب على غزة. أن يكون هذا الصراع حافلًا بجرائم حرب واسعة و عشوائية (وقد صدر فعلًا مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي)، وأن يكون مشوبًا حتى بشبهة مشروع إبادة جماعية (اتهامات تقف وراءها دول و منظمات عديدة)، لا يبدو أنه يزعج المغرب كثيرًا... و كأن شيئًا لم يكن، حضر المغاربة هذه «الندوة الدولية»، إلى جانب قادة عسكريين من 20 دولة، لتشارك إسرائيل في عرض «الدروس العملياتية المستخلصة من عامين من الحرب على غزة و العمليات ضد لبنان و إيران و سوريا و اليمن». لا أقلّ و لا أكثر! تجدر الإشارة إلى أن المغرب هو الدولة العربية الوحيدة التي شاركت في هذا الاحتفال بالموت و الدمار. و نعلم منذ جوان الماضي أن بنيامين نتنياهو يستغلّ فظائع غزة للترويج لصناعته العسكرية، لكن أن تشارك دولة عربية في هذه العروض الجنائزية فذلك يتجاوز كل فهم. نحن نتحدث عن الترويج لأدوات الموت التي حصدت عشرات الآلاف، و أدوات تدمير المنازل، و وسائل التجويع و البرد. هذا ما ذهبت الرباط لمشاهدته عن قرب، برفقة الولايات المتحدة، كندا، المملكة المتحدة، ألمانيا، فنلندا، الهند، اليونان، قبرص، التشيك، المجر، بولندا، النمسا، إستونيا، اليابان، رومانيا، صربيا و سلوفاكيا، وفق ما ذكرته صحيفة «إل بيريوديكو» الإسبانية. أما بالنسبة للمملكة المتحدة، فقد نفت مصادر محلية «مطلعة» للصحيفة الإسبانية بشكل قاطع مشاركة أي جنود بريطانيين في هذه الندوة. لكن من جانب الرباط، فالصمت كان مطبقًا حتى هذا الجمعة 28 نوفمبر. بل و الأسوأ من ذلك: فقد أكدت وسائل إعلام إسرائيلية حضور الوفد المغربي. و لمن نسي، فإن «تكتيكات الحرب» التي تفاخر بها إسرائيل تسببت في مقتل ما لا يقل عن 100 ألف شخص في غزة منذ 8 أكتوبر 2023، وفق تقديرات معهد ماكس بلانك للبحث الديمغرافي، الذي شدّد على أن ما يحدث هو «مجازر جماعية» ستترك أثرًا عميقًا و طويل الأمد على الفلسطينيين... هذا ما ذهب المغاربة للاطلاع عليه عن قرب. إلى أي حضيض سينزلون؟ هذا سؤال ينبغي توجيهه إلى المشاركين في هذا العرض القاتم. بلد رئيس لجنة القدس (الملك محمد السادس) لا يزال يدهشنا... و لكن بالأسوأ. تعليقات