تداولت في الآونة الأخيرة عديد وسائل الإعلام و صفحات التّواصل الاجتماعي واقعة أثارت جدلا في المجتمع التونسي وتمثلت في إذن قاض بالمحكمة الابتدائية بالكاف بتزويج طفلة تبلغ من العمر 13 سنة، من شاب يبلغ من العمر 20 سنة.. والمفزع في القضية أنّ إذن الزواج جاء بعد عمليّة اغتصاب أي أنّ هذه الطفلة لا يكفي أنها كانت ضحية اعتداء جنسي فحسب بل سيتمّ تزويجها من مغتصبها.وتعود أطوار القضيّة إلى ورود إشعار أمني بوقوع اعتداء جنسي على طفلة تبلغ من العمر 13 سنة، فاتصلت مندوبة حماية الطفولة بالكاف بعائلة الطفلة للوقوف على تفاصيل الحادثة. فتفاجأت باستظهار العائلة بإذن قضائي يسمح للمُعتَدي بالزّواج من ابنتهم، وبالفعل تمّ عقد القران بموافقة العائلتين بعد مرور ثلاثة أيام من إصدار الإذن القضائي.الطّفلة لم تتجاوز عتبة 13 سنة تقطن في قرية ريفيّة من منطقة دشرة نبّر بالكاف، هي لم تدخل المدرسة يوما و لم تتعلّم حرفا حتّى أنها لا تعرف كتابة اسمها حسب ما أكّدته مندوبة حماية الطّفولة بالكاف… هذه الطّفلة التي لم ينضج إدراكها للأشياء بعد، وجدت نفسها ضحية عمليّة اغتصاب وهي تحمل اليوم جنينا في بطنها عمره 3 أشهر وأمام قانون ينصّ على إيقاف التّتبعات العدليّة ضدّ صاحب الاعتداء الجنسي على الضحيّة في صورة الزواج بها… الفصل 227 من المجلة الجزائية: "يعاقب بالسجن مدّة ستة أعوام كل من واقع أنثى بدون عنف سنها دون خمسة عشر عاما كاملة وإذا كان سّن المجني عليها فوق الخمسة عشر عاما ودون العشرين سنة كاملة فالعقاب يكون بالسجن مدّة خمسة أعوام والمحاولة موجبة للعقاب وزواج الفاعل بالمجني عليها في الصورتين المذكورتين يوقف التتبعات أو آثار المحاكمة. وتستأنف التتبعات أو آثار المحاكمة إذا انفصم الزواج بطلاق محكوم به إنشاء من الزوج طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 31 من مجلة الأحوال الشخصية وذلك قبل مضي عامين من تاريخ الدّخول بالمجني عليها". قانون يسمح بمكافأة الجلاد وتزويجه من الضحية طفلة تجد نفسها أمام نظرة مجتمع لايرحم، سيُحاسبها و سيُعاقبها إن لم تتزوج من مغتصبها من منطلق أنها أم عزباء، أنجبت طفلا خارج إطار الزّواج … كما ستجد نفسها بين خيارين أحلاهما مُر.. وأمام ضغوطات عائلة تفكّر من منطلق الحفاظ على الشرف والعرض فقط دون التفكير في معنى حياة زوجية بين ضحية و جلادها .. هذه الحادثة أعادت الفصل 227 مكرّر إلى طاولة النّقاش بين مختلف شرائح و أطياف المجتمع التونسي. حيث قام موقع تونس الرّقمية برصد مختلف وجهات النّظر حول هذه القضية فاختلفت الآراء إذ اعتبره البعض "قانون غير أخلاقي" لأنّه يخوّل للجاني الزّواج من ضحيّته التي ستعاقب مرّتين وستغتصب مرّتين وفي نفس الوقت يسمح له بالتّملص من التّتبعات العدليّة في صورة قبول الضّحية لعرض الزّواج منها. كما أكّد الكثيرون ممن التقيناهم بالعاصمة وخاصة النساء منهم " أنّ هذا القانون يحمل في طياته انتهاكا صارخا للطفولة والمرأة عموما…وهو قانون يجعل المرأة التونسيّة و بالرّغم من تقدمها في عديد المجالات عُرضة لأن ينتهك عرضها ويستباح شرفها في مجتمع ذكوري.." فيما شدّد بعض من حاورتهم تونس الرقمية على ضرورة إلغاء هذا القانون بصيغته الحالية و إعادة مراجعته بما يتماشى و حماية حقوق المرأة عموما.. مؤكدين على ضرورة تشديد العقوبة على مرتكب جريمة الإغتصاب وعدم تمكينه من التكفير عن جرمه بجرم آخر وهو الزواج من الضحية.. في نفس السياق أكد لنا البعض ممن أثّثت شهاداتهم هذا العمل الصحفي المتواضع، أنّ تواصل اعتماد هذا القانون سيفسح المجال أمام الإنتهازيين للتفكير في اغتصاب إحدى الفتيات اللاتي ينحدرن من عائلات ثرية وميسورة ليضعهن وذويهن أمام الأمر الواقع ، أمام زواج مفروض باسم المحافظة على شرف البنت والعائلة.. وستر الفضيحة.. وفق تعبيرهم. "سُترة" للفتاة المغتصبة وصيانة لشرف عائلتها الآراء سالفة الذكر قد لا تجد صداها عند آخرين من تحدثوا لتونس الرقمية حيث اعتبروا أنّه من الضروري تزويج الفتاة من مغتصبها لتصحيح الخطأ ولحمايتها و حماية طفلها حتى لا تجد نفسها بمفردها في مواجهة نظرة المجتمع القاتلة.. مؤكدين أنّ هذا الحلّ هو الأمثل لدرء الفضيحة وهو صمّام أمان لضحيّة الإغتصاب أمام أيّة منزلقات أخرى قد تواجهها في صورة عدم زواجها .. وفي هذا السياق اعتبرت إحدى محدثاتنا أنّ زواج الفتاة من مغتصبها هو "سُترة" لها حسب تعبيرها… ويبقي الجدل في هذا الموضوع القديم المتجدّد، قائما في انتظار ما ستُسفر عنه الأيام القادمة حول هذا الفصل 227 مكرر في القانون لاسيما أن عديد مكونات المجتمع المدني طالبت بإلغائه وخاصّة أنّ العديد من الدّول العربّية الأخرى مثل المغرب، قامت بتنقيحه بعد حادثة انتحار فتاة تمّ اكراهها على الزواج من مُغتصبها… فهل تنتظر تونس انتحار إحدى ضحايا جريمة الإغتصاب لكي تتحرّك وتراجع هذا القانون ؟؟