يكتسي احياء اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام طابعا خاصا لعدة اسباب لعل اهمها تزامن هذا الحدث العالمي مع الذكرى الستين للاعلان العالمي لحقوق الانسان والذي شدد البند التاسع عشر منه على ان حرية التعبير حق مقدس لدى كل الشعوب وهو الحق الذي لا يقبل الابتزاز والمساومة ولا يخضع للمقايضة طالما اتسم بروح المسؤولية وخضع لاخلاقيات المهنة الصحفية بما يؤكد مجددا الترابط الجذري بين الاعلام الحر وبين حقوق الانسان ولا شك انه كلما تبوأ الاعلام او ما اصطلح على وصفه بالسلطة الرابعة الموقع الذي يستحق في انارة الراي العام وتوخي الشفافية والمصداقية في نقل الحقائق ونبذ ثقافة الكتمان وكبح الجراة كلما نجح الاعلام في تحقيق الرسالة الانسانية والاخلاقية التي ارتبطت به في دعم ونشر حقوق الانسان فقد كان ولايزال الاعلام المرآة التي تعكس مدى تقدم الشعوب ورقيها وكلما بلغ الاعلام درجة راقية كلما اكد تقدم المجتمع الذي ينتمي اليه والعكس بالعكس. ولعل في مشاركة تونس بقية دول العالم احياء هذا الحدث ما يدعو اكثر من أي وقت مضى للتوقف عند المشهد الاعلامي في بلادنا في هذا العقد الاول من القرن الواحد والعشرين الذي يشهد ثورة لا مثيل لها في تكنولوجيا الاتصال لم يعد معها مجال للمراقبة والقيود او مصادرة المعلومة فاي طفل اليوم له من القدرات والامكانيات للغوص في بحار الانترنت والبحث عن المعلومة المطلوبة ناهيك عن الصحفي او من لبس لبسه... وبعيدا عن لغة المبالغة او رمي الورود لاجهزة السلطة التي لديها ما يكفي من الابواق والاصوات القادرة على تقديم انجازاتها واصلاحاتها المتواترة في مجال الاعلام وفقا لما كان بيان السابع من نوفمبر اقره بشان "مشروع قانون للاحزاب ومشروع قانون للصحافة يوفران مساهمة اوسع بنظام ومسؤولية في بناء تونس ودعم استقلالها " وهو ما تحقق بعد الاصلاحات التي شهدها المشهد الاعلامي الذي اتسع اليوم ليضم اكثر من مائتي صحيفة فضلا عن تعدد الفضائيات والاذاعات الوطنية والجهوية وقد جاءت الانتخابات الاخيرة وتاسيس اول نقابة وطنية للصحافيين لتعكس رغبة كامنة لدى الصحافيين في تغيير واقعهم النقابي والمهني والاجتماعي والخروج من مرحلة التهميش التي طالما تعرضوا لها .الا انه وبرغم مختلف الاصلاحات التي تم اقرارها لصالح الاعلام فقد ظل المشهد الاعلامي الوطني يعاني الكثير من النقائص والعيوب ويعجز في اغلب الاحيان عن استمالة الراي العام المحلي اواثارة اهتمامه بل انه كان عرضة للكثير من الانتقادات من جانبه ولاشك ان في انتشار الفضائيات ما جعل القارئ او المتفرج يلجا تلقائيا الى المصادر الخارجية بحثا عن اخبار متعلقة بشؤونه الداخلية ليسقط في احيان كثيرة في مغالطات خطيرة وتزييف للحقائق كما كان الحال على سبيل الذكر لا الحصر خلال احداث مدينة سليمان العام الماضي عندما تعددت التاويلات والقراءات في غياب المعلومة الدقيقة او خلال الاحداث الاخيرة التي اهتزت لها مدينة قفصة. وفي كل الاحوال فقد ظل المشهد الاعلامي متارجحا بين الاوضاع المهنية للصحفيين وبين قيود الرقابة الذاتية التي تكبل عديد الصحافيين وبين تاثيرات مصادر الاعلام الخارجية وتاثيرها على مصداقية الصحفيين التونسيين الذين طالما اكدوا مهنيتهم وخبرتهم وقدرتهم على الابداع كلما توفرت لهم الفرصة في الخارج ربما يرد البعض على ذلك بان الفرص ليست هدية تمنح وهي لا تنتظر اصحابها على مفترق الطريق وانه يتعين على الصحفي اقتناصها لتقديم الافضل وفي هذا نصيب من الصحة وليس كل الصحة وكما ان المشهد الاعلامي في بلادنا امكن له خلال العقدين الماضيين تحقيق خطوات لا يستهان بها فان المطلوب لا يستهان به ايضا من اجل ان يكون للسلطة الرابعة موقعها ومكانتها في المجتمع ذلك ان تقدم الشعوب ورقيها غالبا ما يرتبط بتقدم الاعلام ووقعه فيها ودوره في مواجهة اخطر واعقد القضايا المرتبطة بكشف اسباب التخلف والامية والفساد وغيرها من معوقات التنمية... قد لا يختلف اثنان اليوم بان ما تحقق لتونس على مختلف الاصعدة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها لم يكن لينعكس حتى الان على المشهد الاعلامي فيها والذي لا يزال ابعد ما يكون عن رضا السلطة نفسها وقد كان الرئيس زين العابدين بن علي صريحا في هذا الشان في اكثر من مناسبة عندما دعا الى ضرورة مواكبة الاعلام العصر الحديث وتجاوز الحواجز واللغة الخشبية التي وان كانت لا تقدم للقارئ ما يفيد فانها بالتاكيد تنفره وتزيد في ابتعاده عنها. واذا كان لا احد اليوم بامكانه ان ينكر ان الوضع الاعلامي بصدد التغيّر فانه لا احد بامكانه ان يدّعي الكمال ايضا كما انه لا احد اليوم من شانه ان يدّعي امتلاكه الحل المطلوب للنهوض بالاعلام في بلادنا فالامر لا يرتبط بعصا سحرية قادرة على قلب الاوضاع بقدرما هو بحاجة الى مزيد دعم اسباب الثقة وتعزيز لغة الحوار والتخلص من رواسب الاحكام والقيود التي ثبت عدم جدواها لا سيما وان تاريخ الاعلام في تونس كان ولايزال يشهد على اهمية هذا القطاع ودور القلم والكلمة الحرة في مكافحة الاحتلال ورفض قيوده كما في بناء اسس الدولة الحديثة وقد كانت تونس ولاتزال تتسع لكل ابنائها ولكل الاراء والمواقف فيها ولا يمكن باي حال من الاحوال ان تضيق من حولهم او... ان نظرة موضوعية من شانها ان تؤكد اليوم انه لا مجال اليوم للابتذال والرداءة كما انه لا مجال للمغالطة والتزييف ولا مجال لتقييد الاذواق او توحيدها بعد ان بات العالم قرية مصغرة يخضع لخيار "الريموت كونترول"او الة التحكم عن بعد التي تمنح المشاهد حق كتم الصوت الذي لا يروقه دون جهد يذكر... قد لا تكون الصدفة وحدها شاءت ان يتزامن اطلاق سراح مراسل إحدى الفضائيات العربية الصحفي السوداني سامي الحاج بالامس بعد سبع سنوات من الاسرفي غوانتانامو عشية الذكرى السنوية لليوم العالمي للاعلام وذلك بعد جهود مكثفة من جانب العديد من المنظمات الانسانية وغيرها بما يعكس ان مهنة الصحفي لم تكن يوما بمنائ عن المتاعب والمخاطر والتضحيات ولا شك ايضا ان في عدد الصحفيين الذين سقطوا هذا العام في العراق وفلسطين وافغانستان وكولومبيا او غيرها من مناطق التوتر بعد ان تجاوز عددهم المائة وسبعين صحفيا لم يكن لهم من ذنب سوى انهم لبسوا ثوب الشجاعة والتزموا بالدفاع عن قضايا شعوبهم ومصالحها ورفت تلك الادعاءات والاتهامات بان شروط نجاح الصحفي العربي مرتبطة بمدى قدرته على الاشادة بسلطة بلاده وبقدرته على توجيه الانتقادات للرئيس الامريكي وهو بالتاكيد تعريف خاطئ وله مبرراته ودوافعه الهادفة الى استنقاص مكانة وقدرة الصحفي العربي الذي لا يزال اشبه الغريب في موطنه...