تحت إشراف وزير العدل وحقوق الانسان نظمت يوم أمس السبت 10 ماي الجاري محكمة الاستئناف بسوسة بالتعاون مع المعهد الأعلى للقضاء ملتقى جهويا حول: «الحماية القانونية للصحة العامة» وقد تناول هذا الملتقى بالدراسة جملة من المحاور الهامة الصحية - التشريعية تولى تقديمها أمام عدد من رجال القانون والطب مختصون في الميدان تمحورت كلها حول الاطار التشريعي للحماية الصحية انطلاقا مما سنته القوانين لفائدة الانسان باعتباره العنصر الأهم في المنظومة الكونية. فبالاضافة إلى إبراز دور الهياكل الصحية في حماية الصحة العامة ألقى السيد الناصر الغربي الرئيس المدير العام للصندوق الوطني للتأمين على المرض مداخلة حول دور هذا الصندوق في المحافظة على التوازنات المالية وشمولية التغطية الصحية... كما تطرق السيد يوسف رمضان القاضي بالمحكمة الابتدائية بالقيروان إلى موضوع التأمين والصحة من الوجهة القانونية إضافة إلى دراسة وقع تقديمها حول الحماية القانونية للصحة النفسية وقطاع الأدوية... الصحة من جوهر حقوق الانسان أعطى السيد الطيب الراقوبي والي سوسة إشارة الانطلاق لهذا الملتقى حيث أبرز في الكلمة التي ألقاها بالمناسبة أن لكل شخص الحق في حماية صحية باعتبار ذلك من جوهر حقوق الانسان ونظرا لما يمكن أن توفره الهياكل الصحية من ضمان للظروف المثلى للعمل والانتاج... وبعد أن تحدث الوالي عن السياسة التي تتوخاها تونس في هذا المجال تطرق للمنظومة الصحية الوطنية المتسمة بالشمولية وتعدد الآليات كما تناول بالتحليل طبيعة الخدمات الاستثنائية المقدمة للمواطن وما تم إقراره على مستوى تعزيز الشبكة وتوفير التجهيزات المتطورة وتأطير الكفاءات وتنويع الانشطة الطبية مما حدّ من نسبة اللجوء إلى التداوي بالخارج وجعل تونس قطبا طبيا من الدرجة الاولى... تلازم البعدين الاقتصادي والاجتماعي عند تقديمه للورقة العلمية للملتقى ووضعه في إطاره، وقبل أن تأخذ الكلمة السيدة راضية بن صالح المديرة العامة للمعهد الاعلى للقضاء أبرز السيد الهاشم عمر الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بسوسة أن الالتزام باتخاذ أجدى التدابير لضمان تمكين الجميع من الوصول إلى أحسن المرافق الصحية التي يمكن بلوغها لم يكن أمرا هينا يسيرا، غير أن اعتماد مبدأ تلازم الترابط بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي كخيار أساسي من العمل التنموي لبلادنا خول تحقيق مؤشرات تقدم تنموي في المجال الصحي أصبحت اليوم مكسبا وطنيا رائدا ومثالا يحتذى به في سياق البناء التنموي للبلدان النامية. وبين الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بسوسة أن نسبة التغطية الاجتماعية قاربت 9،91% من السكان النشيطين وتضاعف حجم النفقات الصحية 7 مرات في ظرف وجيز إلى أن بلغ سنة 2005: 47،21 مليون دينار، كما تحققت نسبة طبيب بكل ألف ساكن، ويتوفر ل90% من التونسيين مركز للصحة الاساسية لا يبعد 5 كلم... وأشار السيد الهاشمي عمر أيضا إلى أن الامراض المعدية والمنقولة تراجعت في المقابل وتحسنت مؤشرات صحة الأم والطفل لتصل نسبة الوفيات إلى 2% سنة 2006 فيما بلغ التلقيح 100% وارتفعت نسبة الأمل في الحياة إلى 2،74%. وبعد أن تحدث عن آليات النفاذ إلى الحق في الصحة من خلال استعراض الإطار القانوني لذلك بين أن تحقيق الحياة الكريمة للانسان هدف منشود لكل الشعوب والأمم وحق كرسه الدين ونادت به القيم فكان مشغل الفكر واهتمام الطب والعلم... وزير العدل وحقوق الانسان... الصحة الضامنة الأساسية للاستقرار والنماء في الكملة الاختتامية لهذا الملتقى بين الوزير أن تونس توفقت بدفع من رئيس الدولة إلى وضع منظومة صحية وطنية ناجعة وإرساء نظام طبي حديث ومتطور، وتركز الجهد منذ التغيير على تعزيز البنية التحتية الطبية والصحية والنهوض بالاختصاصات الطبية المتطورة مما ساعد على ارتفاع مؤهل الحياة عند الولادة إلى 74 سنة وتراجع نسبة الوفيات لدى الاطفال إلى 20 بالألف مقابل 175 بالألف في بداية الاستقلال، كما أرست الدولة مؤخرا نظاما جديدا للتأمين على المرض لفائدة المضمونين الاجتماعيين يقوم على مبادىء التضامن وتكافؤ الحقوق في إطار منظومة صحية متكاملة تشمل كل الخدمات المسداة بالقطاعين العمومي والخاص... وفي هذا الإطار ذكر السيد بشير التكاري وزير العدل وحقوق الانسان أن التنظيم الصحي في تونس يقوم على مبدأين أساسيين يتمثل الاول في المساواة أمام قطاع الصحة والحق في الانتفاع بالخدمات الصحية بدون تمييز بين سائر المواطنين وهو مبدأ كرسه الفصل الاول من قانون 27 جويلية 1992 المتعلق بالامراض السارية والذي نص على أنه «لا يمكن لأي إنسان أن يكون عرضة للتمييز في المعاملة في مجال الوقاية من الامراض السارية أو معالجتها، أما المبدأ الثاني فهو يقتضي الانفتاح على التطورات التكنولوجية والسعي إلى التحكم في التقنيات الطبية الحديثة من أجل تحسين الخدمات الطبية وخاصة منها تلك الرامية إلى المساعدة على الانجاب... وفي هذا المجال تطرق الوزير إلى افرازات التطور التكنولوجي في المجال الطبي مؤكدا على ضرورة خضوع التجارب وسائر الأعمال الطبية لضوابط أخلاقية تفرضها حرمة الذات البشرية وعدم قابلية جسم الانسان للاتجار فيه مشيرا إلى دور المشرع التونسي الذي كان متفطنا منذ البداية لهذه المخاطر ومتعاملا بحذر ويقظة مع هذه الجوانب... وأشار من ناحية أخرى إلى أنه سعيا لتأمين إطار قانوني أكثر نجاعة يحكم الاخطاء الطبية يتم حاليا على مستوى مركز الدراسات القانونية والقضائية التابع للوزارة التعمق في دراسة هذا الموضوع من كل جوانبه. كما ذكر بإحداث مرصد وطني للأمراض الجديدة والمستجدة بهدف دعم قدرة المنظومة الوطنية للمراقبة الوبائية في مجال ترصد هذا الصنف من الأمراض وتحديد أنجع السبل للحد من خطورتها.