طارق ذياب يغادر بين سبور نحو وجهة جديدة    كؤوس أفريقيا للأندية : على أي القنوات وفي أي وقت يمكن مشاهدة القرعة ؟    أخبار النادي الإفريقي... الصرارفي يعود وشواط يقود الهجوم    احذر البطاطا المقلية: خطر الإصابة بالسكري يرتفع بنسبة 20%    وزيرا السياحة والتجارة يفتتحان الدورة 18 لمعرض الصناعات التقليدية بنابل الذي يتواصل من 8 الى    عاجل: وزارة التجهيز تعلن غلقًا جزئيًا للطريق بين باب عليوة والمخرج الجنوبي للعاصمة    أحمد الجوادي: هدفي القادم تحطيم رقم قياسي عالمي والتتويج الأولمبي    مهرجان الكراكة – المتوسط يحتفل بخمسين سنة من الفن في حلق الوادي والكرم    وزيرة الشؤون الثقافية تدعو إلى اعتماد رؤية إبداعية متجددة تراعي التقاليد العريقة لدورتي أيام قرطاج السينمائية والمسرحية    الاتحاد الجهوي للشغل بالكاف يدعو إلى تجمع نقابي    حجز كميات كبيرة من الأجبان والبيض والمثلجات في 3 ولايات: تفاصيل المحجوز    عاجل: سوسة: الاحتفاظ بشخص اعتدى على كلب بآلة حادّة    وزيرة الصناعة تؤدي زيارة عمل الى المركز الوطني لقيادة النظام الكهربائي    رسمي: منحة غذائية لمرضى داء الأبطن من العائلات الفقيرة ومحدودة الدخل    عاجل/ مصر: "المنطقة لن تنعم بالأمن"..    نحو إحداث مركز إقليمي للتكوين في البيوتكنولوجيا يجمع الكفاءات ويجذب الاستثمار    عاجل/ تكوين لجنة ميدانية لرصد سكب المياه المستعملة في الأودية والبحر بهذه الولاية    حالة الطقس ودرجات الحرارة هذه الليلة    القمر يضيء سماء السعودية والوطن العربي ببدر مكتمل في هذا اليوم    سوسة: يعتدي على كلب جاره مسبّبا له شللا كاملا ومواطنون يتمسّكون بتقديم شكاية    وزيرالصحة يشرف بولاية منوبة على ملتقى تقييمي وتكريمي لأفراد البعثة الصحية المرافقة للحجيج    كيفاش الذكاء الاصطناعي يدخل في عالم الفتوى؟ مفتى مصري يفسر    عاجل: فتح باب التسجيل في حركة النقل الوطنية للمديرين والنظار حتى هذا التاريخ    بسبب المحتوى الخادش للحياء: أحكام سجنية ضد مشاهير على "تيك توك".. #خبر_عاجل    عادات يومية بسيطة تنجم تقصّر عمرك ما غير ما تحس..شنيا هي؟    أحزاب سياسية ومنظمات تدين "الاعتداء" على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل    مجلس هيئة الانتخابات يناقش القائمات المالية للهيئة بعنوان سنة 2024    تأجيل محاكمة مسؤولة سابقة بشركة السكك الحديدية ورفض الإفراج عنها    كلغ لحم العلوش يتجاوز 60 دينارا..!    افتتاح المهرجان الصيفي بأريانة في دورته 19 بعرض " الربوخ"    الكاف: إحداث وحدة للسموميات بقسم الإنعاش بالمستشفى الجهوي بالكاف    الوسلاتية: محاولة دهس رئيسة دائرة الغابات    وزارة الشؤون الدينية تصدر بلاغا هاما بخصوص الترشّح لأداء فريضة الحجّ لسنة 2026..#خبر_عاجل    الحماية المدنية: 601 تدخلا منها 140 لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    عاجل/ ردود أفعال دولية على قرار إسرائيل احتلال غزة..    حماس: قرار إسرائيل احتلال غزة يؤكد أن نتنياهو وحكومته لا يكترثون لمصير أسراهم    سليانة: تجميع مليون و570 ألف قنطار من الحبوب خلال موسم الحصاد    محكمة رابعة تمنع أمر ترامب حظر منح الجنسية بالولادة    هام/ انطلاق التسجيل وإعادة التسجيل عن بعد لكافة التلاميذ اليوم بداية من هذه الساعة..    الكورة ترجع الويكاند هذا: مواعيد ونقل مباشر لماتشوات الجولة الأولى    وسط أجواء إحتفالية منعشة ... النادي الصفاقسي يقدم لاعبيه المنتدبين الجدد ويكشف عن أزيائه الرسمية    صندوق النقد العربي يتوقع نمو اقتصاد تونس بنسبة 2ر3 بالمائة خلال سنة 2025    عاجل: وفاة وإصابات خطيرة وسط جهود محاصرة أكبر حريق غابات في فرنسا منذ 80 سنة    عاجل/ بعد كورونا فيروس جديد يظهر في الصين..ما القصة..؟!    باش تمشي للبحر الويكاند؟ هذا هو حالة البحر السبت والأحد    وفاة الممثل المصري سيد صادق عن عمر ناهز 80 عامًا    مهرجان صفاقس الدولي.. الفنان لطفي بوشناق يعانق الإبداع    مبوكو تفاجئ أوساكا لتفوز ببطولة كندا المفتوحة للتنس    بطولة العالم للكرة الطائرة: المنتخب الوطني ينهزم أمام في المباراة الإفتتاحية    الدين القيّم:علم عظيم عن «الرحمان الرحيم»    في عرض بمهرجان سوسة الدولي: «عشاق الطرب»جرعة إبداعية ضدّ التلوث السمعي    ترامب يضاعف مكافأة القبض على مادورو    إقبال محتشم والعودة المدرسية توجه الشراءات... ال «صولد» الصيفي... «بارد»!    خطبة الجمعة: القدس تناديكم    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    الدكتورة لينا الطبال تكتب ل«الشروق» : هذا السلاح لا يمكن أن يُسلّم    الفنانة أحلام: سأغني في قرطاج ولا أريد أجرا ولن أستلم مقابلا من تونس    فتح باب الترشح للمشاركة ضمن المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة لأيام قرطاج السينمائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجريمة!
نشر في الصباح يوم 20 - 06 - 2007

هذه الجريمة المضاعفة التي تحدث الآن على أرض فلسطين؟ ما
من يقتل من؟ ولماذا؟ وهل ما يحدث هو الطّاعون؟ أم هل هو الطوفان الأخير؟
قبل 1948 كان الشعب الفلسطينيّ برمّته يقاتل دفاعاً عن أرضه ووجوده في مواجهة الصهيونيّة الاستعماريّة والانتداب البريطاني المتواطئ. وبعدها قاتل لاستعادة ما اقتطعته الحركة الصهيونيّة من فلسطينه، بقرار من عصبة الأمم، وبدون قرار، بهزيمة الجيوش العربيّة في حينه.

في عام 64 استبشر الشعب - المصاب بالاستيطان الاستعماريّ وباللجوء - خيراً، عندما قامت منظمة التحرير الفلسطينيّة، بقرار من القمة العربيّة في القاهرة. وفي الفاتح من جانفي 65، وضعت حركة التحرير الوطني الفلسطينيّ " فتح"، الشعب الفلسطينيّ، بانطلاق الشرارة الأولى للكفاح المسلّح، على طريق إمكانيّة تحقيق الحلم الفلسطينيّ بالعودة.. لكنّ النّكسة، في الخامس من جوان 67، جاءت لتعمّق الخيبة من قدرة الجيوش العربيّة على إنجاز تحرير فلسطين، وتكرّس النّكبة، وتصبح هي النّكبة الأكبر، لنطالب بما ضاع فيها من فلسطين، وما ضاع فيها لم يكن إلاّ البقيّة.
وكاد ينطفئ الأمل في الصدور، لولا أنّ ظاهرة الكفاح الفلسطينيّ المسلّح، انطلاقاً من مخيّمات اللاجئين، برزت "كأنبل ظاهرة" مضيئة في ظلام الهزيمة، وينتصر الفدائيّون، وطلائع من الجيش الأردنيّ، في أوّل مواجهة عسكريّة تلي النكسة، في معركة "الكرامة" فيفري 68، على الشاطئ الشرقيّ لنهر الأردن، وتكسر لأوّل مرّة، ولو على نطاق محدود، باعتبارها محاولة ناجحة لمنع تجاوز الاحتلال للحدود، والقضاء على المقاومة الفلسطينيّة في المهد، أسطورة الجيش الإسرائيليّ الذي لا يُقهر. وهو نفس العام الذي تولّى فيه الزعيم الشهيد ياسر عرفات، رئاسة منظمة التحرير الفلسطينيّة، والقيادة العسكريّة للثورة.
لكنّ بهجة الانتصار المحدود هذه، لم تطل طويلاً، ليحدث في الأردن بعدها، ما كان يجب أن لا يحدث، من اقتتال هو الأوّل من نوعه، بين جيش عربيّ وحركة المقاومة الفلسطينية، سمّي بأيلول الأسود، وكان من نتيجته سقوط نحو 20 ألف قتيل، أو يزيد، وفقدان الفلسطينيين لقاعدة انطلاق ومقاومة هامّة لا مثيل لها، وتوّج بالخروج من الأردن إلى لبنان. وكانت تلك هي الضربة الأولى التي تتعرّض لها م.ت.ف والفصائل المسلحة، التي صار عليها أن تعيد ترتيب صفوفها، وإعدادها، لمرحلة، وظروف، جديدتين.
في الأثناء بدأت مصر عبد الناصر حرب الاستنزاف على ضفاف قناة السويس، لتنتهي بحرب أكتوبر 73، فاٌنتعش الأمل في الصدور، دون أن يطول طويلاً، أو ينول كثيراً، غير أنّه أكّد على قدرة الجنديّ العربيّ على التحرير، في حال خروجه من حالة البطالة والارتخاء، بوجود إرادة سياسيّة عمليّة، تتجاوز خوفها من الهزيمة، في حين أدخلت تلك الحرب المنطقة في تعامل جديد وعلنيّ، ألا وهو التفاوض المباشر ما بين دول عربيّة معنيّة (مصر وسوريا بالتحديد بدءاً من مفاوضات الكيلو متر 101 على الجبهة المصريّة)، وهو ما قرّب الجانب الرسميّ العربيّ من الأهداف الإسرائيليّة، وأبعدها عن الأهداف القوميّة العربيّة تجاه فلسطين والقضيّة الفلسطينيّة..
في عام 74 تبنّت م.ت.ف برنامجاً جديداً من عشر نقاط، أسمته بالمرحليّ، يدعو إلى قيام دولة فلسطينيّة على أيّ شبر يتمّ تحريره (بأيّ شكل من الأشكال) من فلسطين. وفي عام 76 حوصر مخيّم تلّ الزعتر، وجسر الباشا في لبنان، على أيد قوات عربيّة سوريّة لبنانيّة، تكلّل بتدمير مخيم تل الزعتر، وتشريد الآلاف من سكان المخيّمين من اللاجئين، إضافة إلى عشرات القتلى والجرحى واليتامى... ولم يكن أحد يتوقّع أيضاً، بأنّ حرب أكتوبر (المجيد)، ستؤدّي في النهاية، إلى قيام السادات بمبادرة، بدت مفاجئة للجميع، تمثّلت في زيارته القدس المحتلّة، في نوفمبر 78، وإلقائه خطاباً مشهوداً في "الكنيست" (البرلمان) الإسرائيلي، وتوقيعه في وقت لاحق على اتفاقيّة " كامب ديفيد" (المصريّة الإسرائيليّة)، ومن ثمّ على معاهدة الصلح والسلام مع "إسرائيل"، لتطفئ هذه المبادرة الأمل الأخير بالتحرير، لا بل لتحيله إلى حرائق تلتهب في فلسطين، وفي لبنان (تعدّد المحاولات الإسرائيليّة لاجتياح الأراضي اللبنانيّة)، وتكرّس المعاهدة بذلك، الوضع الجديد، لتضيع المطالبة بالحقوق الفلسطينيّة، وبالتحرير، بين "نعم" و"لا".. ليقضي الغزو الإسرائيليّ للبنان، وحصاره لبيروت 82، واقتراف مذابح صبرا وشاتيلا (وقد تعدّدت..)، على ال "لا"، مبقياً على ال"نعم"، بين ما يمكن أن نحصل عليه، وما يُفرض علينا (باسم الواقعيّة السياسيّة، والأمر الواقع، والوضع العربيّ والدوليّ العام).وكان على هذا الواقع الجديد، أن يفرض على الفلسطينيين، بانتقال م. ت. ف وفصائلها، إلى تونس، واحتضان هذه لهم، على الرحب والسعة، مرحلة جديدة، ومدرسة مغايرة، لكنّها تجمع ما بين العقليّة القديمة، بفعل عمر التجربة، وما تعرّضت له، أو وقعت فيه، وعقليّة الواقعيّة الجديدة: واقعيّة الدبلوماسيّة، والتفاوض، ومناقشة القرارات الدوليّة، وما يمكن أن تقبل به الشرعيّة الدوليّة، في ظلّ التعنّت والصلف الإسرائيليين، بحكم شرط موافقة "إسرائيل" على ما يمكن أن تمنحه للفلسطينيين ممّا لهم من حقوق شرعيّة ووطنيّة وإنسانيّة، على الرغم من الانتصار المعنويّ الكبير، الذي حقّقته الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى
"ثورة الحجارة"، وما كان يمكن أن يحقّقه المفاوض (..!!) الفلسطينيّ (الجديد في هذا المجال)، باعتماده على ما تحقّقه هذه الانتفاضة على أرض الواقع، واستثماره الفعليّ له، من اهتزاز معنويّات جيش"إسرائيل" الذي لا يُقهر، ووقوعه في كمائن "أطفال الحجارة"، وبدء ظاهرة رفض جنود "إسرائيل" الذهاب إلى الضفّة الغربيّة وقطاع غزة، والإدانة الدوليّة غير المسبوقة (لتجاوزات) جيش "إسرائيل" المخيف، ضدّ أطفال فلسطين، الذين واجهوا الآلة الحربيّة الإسرائيليّة بشجاعة منقطعة النظير.
لكنّ الجبل تمخّض عن"اتفاقات أوسلو" الهزيلة. "غزّة وأريحا أوّلاً"، التي اتضح لاحقاً، بأنّها لم تكن وعياً إسرائيليّاً واضحاً، ب"حق فلسطينيّ" واضح، وإنّما قبولاً فلسطينيّاً "مُهَنْدَساً" لعمارة إسرائيليّة مخطّطة، تقول: دعوهم يأتون هنا إلى القفص المغلق، كي يتوقّفوا عن الطيران في الفضاء المفتوح. ونُسكت بذلك، إلى الأبد، أصوات الإدانة للسياسة الإسرائيليّة، بفعل ممارسات جيش الاحتلال الإسرائيليّ " الأكثر ليبراليّة في التاريخ"، من تكسير للعظام، إلى تكسير ممنهج للإرادة، فيتحقّق لإسرائيل، ما لم يكن (مضموناً) من قبل: الأبديّة بقبول فلسطيني، ليس بدولة "إسرائيل" فحسب، وإنّما بواقع الاحتلال (بشروطه الجديدة، وخرائطه الجديدة والمتعدّدة)، وبفائدته على الشعب الفلسطينيّ المسكين، وربّما على المنطقة بأسرها. إلى أن وصلوا، في أكتوبر 2004 (عشر سنوات بعد ذلك فقط)، إلى نهاية "ياسر عرفات"، رمز الشعب والقضيّة، والضامن الأكبر لعدم انقسام الشعب، وانفراط القضيّة. رغم كلّ ما قيل، وسجّل، في ملف التعامل السياسيّ والإداريّ مع الواقع الجديد (سلطة وطنيّة، أي فلسطينيّة، انتقلت بين عشيّة وضحاها، من "ثورة" إلى أجهزة (في غالبها أمنيّة)، تدير شؤون المناطق التي تخرجها "إسرائيل" المحتلة، من سلطة احتلالها، منتهجة في الوقت نفسه، سياسة المماطلة والصلف، تهرّباً من تنفيذ التزاماتها المتعدّدة، في تلك الاتفاقات، وما تلاها من تفاهمات، لم تر في غالبها النور)، والتفاوض المرّ والمرير حول ما يمكن وما لا يمكن، من التضييق المستمر على هذا الشعب المنكوب بكلّ شيء، حتّى بصورة الموت، وشكله، وطريقته، وأدواته (وكم من عقبة، أو حاجز، اتّفق على إزالتها، لتنتصب عشر بدلاً منها، ليس بعيداً عنها في غالب الأحيان). ولم يكن "الوطن" في صورته الجديدة، إلاّ منفى جديداً، للعائدين بأيّة طريقة، وكيفما اتّفق، ومن يجب ومن لا يجب، ليتحوّل في مسيرة لا تعرف منفرجاً، وكأنّ النفق الطويل، والمظلم، يطول ويزداد ظلمة وحلكة، وتعشّش فيه الأفاعي والعناكب وقطّاع الطريق ( بخارطة وبدون خارطة).
وكان ذلك، كلّ ذلك، سلاحاً في أيدينا، نُدلّل به على جريمة الاحتلال نفسه، وجرائمه اليوميّة والمتعدّدة، والمختلفة الأشكال، صغيرها مثل كبيرها، في فلسطين، أرضاً وشعباً وزرعاً وماءً وهواء. إلى أن بدأ هذا التقاسم الوظيفيّ، للديمقراطيّة المحتلّة، في إدارة ما أريد له أن يسمّى بالسلطة الفلسطينيّة، الوطنيّة (تحت الاحتلال، والإملاءات الإسرائيليّة، والتوظيف الإسرائيليّ للواقع، والأحداث، المتحرّكة منها، وغير المتحرّكة، وهي لا تتحرّك طواعية، وبدون فاعل، ولا يجري ذلك بدون تواطؤ غربيّ، ودعم(متورّط) أمريكي، والهدف: ضمان حماية "إسرائيل" وأمنها، واقتطاع المزيد المزيد من اللحم الفلسطينيّ، والأرض الفلسطينية)، بخسارة "فتح"( والقوى الأخرى المنضوية تحت لواء م.ت.ف، المفرغة من كلّ القدرات، باعتبار تجييرها لصالح السلطة، وتماهيها معها)، وانتصار "حماس"، في ظلّ ظروف، وشروط، محلية، وعربية، ودولية، واضحة ومعروفة، لتنتصر معها العدوانيّة الإسرائيليّة الأمريكيّة على الشعب الفلسطينيّ برمّته(لاجئين ومقيمين، في الشتات والمنافي والسجون، بما فيها الوطن الحزين!!)، والقضيّة الفلسطينيّة(مأساة ومسغبة، وقد تضاءلت في الأحاديث، والبحث عن الحلول، وعن الشركاء، والفرقاء، المتّفقون والمختلفون، إلى وظيفة ومعاش ومنبر للخطب والندب والكسب والنهب)، فوقعنا(دون أن يسمّ علينا أحد!)، مع دخول النكبة (البداية) عامها الستين(عام التقاعد في صورته الأخيرة والأبدية)، واكتمال النكسة( النكبة الحقيقية، أو الفعلية، الأكثر فعلاً، والأكثر سوءا.. من حيث ما نحن فيه وعليه) في عامها الأربعين، باقتتال داخليّ تعرف ولا تعرف لماذا. ولم يعد السؤال، بعدما وصل هذا الاقتتال الجريمة، إلى ما وصل إليه اليوم، ليس في غزة وحدها(غزة أوّلاً!)، بل في كلّ مكان( باعتبار أنّنا كلّنا قتلى فيه)، لمصلحة من يجري، وإنّما: من الذي يقوم به؟ ومن الذين يقتلون من؟ هل هو نحن، أم هم الأعداء: مباشرين وغير مباشرين؟ وكأن الأعداء، فيما نجحوا فيه، أصبحوا الآن يستوطنونا، في العقل، والقلب، والضمير. في الرأس والصدر، وفي كلّ عضو منّا، وفينا، فوق استيطانهم السرطانيّ القاتل، للأرض والوطن، والحلم! فأسقط في أيدينا. ولم يعد لنا وجه، ولا قفاء! فبماذا نبرّر هذا الذي يحدث، وهو أسوأ من صور الاحتلال، في ظلّ نفس ذلك الاحتلال، ويدفعنا إلى التساؤل من جديد: أليس ذلك هو ما رمى إليه "شارون" بخطّته المشهورة، للانسحاب، أو لنقل إخراج مستوطنيه، وقوّات جيشه المحتلّ، من مدن القطاع، ومحاصرته بها، ليحوّله إلى سجن، ومنفى، وقد رأى تنامي قوّة "حماس"، وجماهيريّتها، في مواجهة ما سجّل من ضعف، ومن فساد، داخل السلطة، ومن تدهور للأوضاع الحياتيّة، والمعيشيّة، والأمنيّة، للمواطن الفلسطينيّ(اللاجئ في غالب الأحيان داخل وطنه)، فآثر أن لا يكون شريكاً مباشراً، باقتراف جرائم جديدة، بحق أبناء القطاع، والقضيّة، دون أن يعني ذلك، عدم قيامه بأيّ دور في اقترافها، أو دفعه( تحريضه!!) على قيامها، لاستثمارها في تحقيق المزيد من أهدافه، وتحويل وجهة الإدانة الدوليّة.. عنه، كمجرم رئيسيّ(باقترافه جريمة الاحتلال لأرض ولشعب واغتصاب حقوقهما)، إلى من هو مفترض فيه الضحيّة؟
كان الشعب الفلسطينيّ، فيما مضى من الزمان، شعباً واحداً، من أكثر الشعوب وحدة وتكاملاً، وأكثرها تسامحاً وتضامناً وتآلفاً، وتفاؤلاً بغد أفضل ( كم هذا صحيح، أم أنّني.. ربّما عليّ أن أكسر مرآتي، بانكسار الواقع الحلم، وتمزّق الصورة؟!)، فهل صار أكثر الشعوب لعنة دمويّة، وأسوأها انقساماً وفرقة، (وكأنّه ليس على الشعب العراقيّ أن يكون وحده بهذه الصورة. بفعل فاعل، وعصا ساحر)؟
من الشرعي أن أسأل، كي أفهم، وقد اتّسعت الرؤيا إلى حدّ ضاقت معه كلّ العبارات، وقد جفّ ماء الحياء، في وجوه متكلّسة، وسوداء حاقدة، لا تحرّك فيها عبرات "أمّهاتهم وإخوانهم وأخواتهم"، وازعاً من ضمير:
لماذا يقتل الفلسطينيّ الفلسطينيّ؟
لماذا، ومن الذي يقترف بوقاحة هذه الجريمة، ليتّسع القتل، ويضيق النعش، والقبر، والعزاء؟
ومن الشرعيّ أيضاً، أن نصرخ، في وجه كلّ القتلة، أيّاً كان اسمهم، أو رسمهم، ومصدر حقدهم، ودافعه، وما سيحصدونه من وراء هذا القتل العمد، في صورته الكبرى( صورته الإسرائيليّة، في أسوأ نسخة!)، ضدّ الإنسان، وضدّ الوطن، وضد الحلم. ضدّ فلسطين، كلّ فلسطين، في (الداخل والخارج على السواء): كفى! كفى بحقّ الأرض والسماء. كفى بحق الشهداء( الموتى قتلى)، والشهداء ( الموتى أحياء).
كفى! قليل من الحياء. قليل من التفكر، لو كنتم عقلاء. إنّ الذي يُقتَلُ هو الأخ والأخت وابن العمّ وابنته والجار والجارة في المخيّم والمعتقل والحصار. والقاتل أيضاً، هو أخ وابن عم وجار وصديق طفولة، وزميل دراسة وسجن وجوع وبطالة.. وهو القتيل، في لحظة (هل يحسب حسابها؟)، لم يعد مهمّاً(ولكن مؤسفاً، ومؤلماً، أشدّ الأسف والألم) أن تكون الآن إسرائيليّة، أو فلسطينيّة، لكنّه بالتأكيد، سيكون القتيل(بشكل مباشر، وغير مباشر)، على يدي محتلّ إسرائيليّ غاصب!؟
في نهاية الأمر، إنّ القتيل هو الفلسطيني، بما في صدره من ألم ومن أمل ومن طموح ومن حلم، وهو (قطعة) أخرى من فلسطين، كروح وقلب وضمير، وهو أنا وأنت (يا قاتلي، باسم ما شئت) كلاجئين، على هامش الحياة، وبعيداً عن الوطن.
طوبى لمن يعي. طوبى لمن يتّعظ. طوبى لمن يبتعد، عن صناعة الموت، واقتراف الجريمة، واغتيال الأمل، ويقترب(ولو بشقّ النفس) من الحياة. طوبى لمن ينزع فتيل قنبلته المستوردة، قبل أن تنفجر في قلب لاجئ أضاع عمره في انتظار حيفا، أو منفيّ لا يعرف أيّ المنفيين(مخيّم في الشتات، أو فيما يمنحونه له من وطن) أصفى. طوبى لمن يدرك أنّنا لا نتعافى بالموت من هذه الحياة، لكنّنا نتعافى بالحياة من هذا الموت. فليكفّ عن اغتيال الحياة فينا، وليكفّ عن سرقة الوطن من حلمنا.. ومن غدنا!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.