بين تخصيص معظم الإنتاج الإضافي من محاصيل الذرة في البلدان المتطوّرة لإنتاج الوقود الحيوي والحاجة الملحّة لتوفير الغذاء لعشرات الملايين من البشر الذين يعيشون تحت خطّ الفقر والمهدّدين بالمجاعة في البلدان النامية في ظلّ تنامي أسعار المواد الغذائية عالميا تتنزّل قمّة منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة التي تلتئم حاليا في العاصمة الإيطالية بحضور ممثلين عن أكثر من خمسين دولة بالإضافة إلى الأمين العام للمنتظم الأممي في مسعى لحصر تداعيات هذه الأزمة الغذائية الحادّة خصوصا في الدّول الأكثر فقرا والتي تسببت في اضطرابات ومصادمات حادّة في بعض البلدان الإفريقية ومنطقة الكاريبي وآسيا. لقد اختزل رئيس البنك الدّولي الوضع الغذائي الجديد لملايين الفقراء بالقول «هناك حوالي 800 مليون إنسان في هذا العالم يعانون اليوم من سوء التّغذية.. ومع تصاعد أسعار المواد الغذائية سيستمر هذا العدد في الإرتفاع». وهذا الواقع الأليم نتيجة استشراء المجاعة قد ولّد حالات احتقان وأزمات اجتماعية حادّة في بعض البلدان الفقيرة بسبب العجز عن توفير لقمة العيش للمواطن بعد تصاعد أسعار المواد الغذائية نتيجة تراجع العرض وتفاقم تكاليف الواردات منها. ومن هذا المنطلق تأتي الدّعوة الملحّة للأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة للزيادة في إنتاج المواد الغذائية بنسبة النصف لحل أزمة الغذاء العالمية وضروة اتخاذ «خطوات عاجلة وشجاعة» لحل مشكلة ارتفاع أسعار هذه المواد على النطاق العالمي. وفي ظل هذا الوضع يتحتّم على الدّول المانحة والمؤسسات المالية الدّولية اتخاذ اجراءات فورية لإيصال المعونات الغذائية للدّول الأكثر تضرّرا جراء ارتفاع الأسعار كما يستدعي الأمر رفع اجراءات الحظر دوليا على تصدير المواد الغذائية التي ساهمت في تصاعد الأسعار. إنّ هاوية الفقر التي يُدفع إليها ملايين البشر في بنغلاديش وهايتي وليبيريا وغيرها في البلدان الأكثر فقرا في العالم تحمّل الدّول الغنية والمتحكّمة في الثروات الطبيعية بما في ذلك الحبوب والأرز والذرة مسؤولية اتخاذ اجراءات شجاعة لتجنيب هؤلاء الجوعى مآسي اجتماعية غير مسبوقة، بمدّ يد العون لهم وانتشالهم قبل فوات الأوان. إنّ ما يزيد عن ثلاثين مليون شخص في القارّة الإفريقية وحدها يعيشون تحت خط الفقر ومهدّدون اليوم أكثر من أي وقت مضى باستفحال المجاعة والموت البطيء... وهذا ما يستدعي من هذه القمّة العالمية اتخاذ اجراءات فورية لأنّ الأفارقة الفقراء سئموا الكلام ويريدون أفعالا بعد أن نهبت ثرواتهم على مدى قرون من الاحتلال والاستغلال وبعد أن تسلّطت على رقابهم قيادات أغرقتهم في أزمات سياسية واجتماعية وساهمت في تأبيد الفقر والمجاعة والأمية.