تحت شعار تقييم ومراجعة المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية تستعد كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية إلى جانب مساعدها دايفيد والش للعودة مجددا نهاية الأسبوع إلى منطقة الشرق الأوسط في زيارة من شأنها أن تثير من نقاط الاستفهام حول توقيت هذه الزيارة كما حول اهدافها ما يوازي عدد زيارات المسؤولة الامريكية إلى المنطقة خلال هذه السنة... فليس سرا بالمرة أن دعم الحوار الفلسطيني الفلسطيني والدفع باتجاه المصالحة بين الاخوة الأعداء يبقى أبعد ما يكون عن أولويات الادارة الأمريكية الراهنة وآخر اهتمامات مبعوثتها إلى المنطقة وذلك رغم أن رايس تصنف من جانب المراقبين ضمن أقل صقور البيت الأبيض تصلبا في مواقفها ... وقد كان أغلب المسؤولين الأمريكيين على درجة من الوضوح والصراحة في الكشف عن مواقفهم الرافضة لكل المحاولات والمبادرات من أجل إعادة الجسور بين الفرقاء الفلسطينيين ودفع كل من «فتح» و«حماس» إلى طاولة الحوار كما أن البيت الابيض لم يتردد في توجيه انتقاداته لمبادرة الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر في محاولته رأب الصدع الخطير على الساحة الفلسطينية كما أن ما كشفه تقرير مجلة «فانيتي فير» بشأن دور الاستخبارات الأمريكية في المواجهات الدموية بين حركتي «فتح» و«حماس» قبل انقلاب غزة من شأنه أن يؤكد الموقف الأمريكي من أي حوار او مبادرة للحوار بين ابرز الفصائل الفلسطينية المتناحرة .والحقيقة أنه إذا كان للرفض الأمريكي لمبدا الحوار الفلسطيني الفلسطيني مبرراته ودوافعه بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي كما بالنسبة للحكومة الإسرائيلية باعتبارها المستفيد الأول داخليا وخارجيا من هذا الوضع الذي يمنحها كل الاسباب للتنصل من أية التزامات أو استحقاقات باتجاه الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال فان ما لا يمكن القبول به هو التردد والتلكؤ الحاصل بين مختلف الفصائل الفلسطينية للخروج من عنق الزجاجة والعودة إلى لغة الحوار وتغليب المصلحة العليا التي تجعل من المصالحة الفلسطينية ضرورة حيوية لإعادة بناء الثقة المهتزة بين أبناء القضية الواحدة وليس مجرد خيار. أسباب كثيرة إذن من شأنها أن تثير الشكوك والمخاوف بشان زيارة رايس المرتقبة بعد دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الحوار مع حركة «حماس»، فهي تأتي في اعقاب موافقة الكونغرس الترفيع في المساعدات العسكرية السنوية لإسرائيل بخمسة وعشرين في المائة وتأتي مع تفاقم تهديدات أولمرت الذي يبحث عن منقذ من ازمته السياسية بشن عملية عسكرية واسعة في غزة ستكون في حاجة لغطاء أمريكي والاهم من كل ذلك أنها تأتي في خضم جهود عربية وإفريقية لتفعيل الحوار الفلسطيني الفلسطيني والخروج من إطار الانقسام الخطير الذي لم يمنح بأي حال من الاحوال لا غزة ولا الضفة وضعا أفضل، ولعل الفلسطينيين أكثر من يدرك بعد مرحلة الانقسام وما جلبته على الشعب الفلسطيني من ويلات الحصار الخانق والتجويع والقتل البطيء أنه لا يمكن لطرف الاستغناء عن الآخر أو الغاؤه وأن الحوار يبقى قارب النجاة الذي بدونه يستحيل على أبناء الشعب الفلسطيني مواجهة جرائم الاحتلال ودهائه... والحقيقة أنه إذا كانت دعوة أبو مازن للحوار قد تاخرت أكثر مما كان ينبغي فإنها بالتأكيد قد عكست إحساس افتقار باليأس من الوسيط الأمريكي للنزاهة والمصداقية المطلوبة وهو الذي لم يدخر جهدا في دعم سياسة الاحتلال والاستيطان الاسرائيلي وقد حملت دعوة أبو مازن في طياتها اكثر من رسالة أيضا لعل أهمها أن أبو مازن فهم أخيرا أن الاستمرار في الرهان على وعود الرئيس بوش بإقامة دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل قبل نهاية ولايته أشبه باللهث وراء السراب في الوقت الراهن، ويمكن أن يكلفه الكثير أمام الشعب الفلسطيني ...وفي انتظار ما يمكن ان تتوج به مختلف التحركات واللقاءات السرية والمعلنة في الكواليس المصرية واليمنية والسينغالية أو غيرها فان الواضح أن الأطراف المعنية بالحوار لا تملك رفاهية الخيار وليس أمامها سوى أن تترفع عن كل الأسباب التي دفعت بها إلى الوقوع في المحظور وأن تجعل من الوحدة هدفا وليس وسيلة أو مجرد شعار ترفعه للدعاية السياسية، وتحقيق المصالحة يعني قبل كل شيء سحب البساط من تحت اقدام المراهنين وهم كثر على دفع الفلسطينيين إلى مزيد الاقتتال والتفويت في ما تبقى من القضية ..