نشط أمس غايل جيرود ، كبير الاقتصاديين بالوكالة الفرنسية للتنمية والخبير الاقتصادي والإحصائي وخبير المناخ ندوة حول العواقب الاقتصادية والاجتماعية لتغير المناخ في البلاد التونسية «عندما تنمو أشجار النخيل فقط شمال تونس» بالمدرسة الوطنية للإدارة. ويتضح أنه إذا لم يتم القيام بأي شيء للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في عام 2100، فإن الصيف في تونس سيشبه صيف أربيل في العراق مع ارتفاع متوسط درجات الحرارة الموسمية إلى 36 درجة مئوية مقارنة ب31 درجة مائوية في الوقت الحاضر. وذلك وفقا لدراسة نشرت هذا الصيف من قبل المنظمة غير الحكومية «المناخ المركزية» والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية. فالزيادة في درجات الحرارة والأقصى الحراري يمكن ملاحظتها بالفعل. ووفقا لبيانات المعهد الوطني للأرصاد الجوية، فإن أحداث الجفاف أطول وأكثر تواترا وأشد حدة، وخاصة في جنوب البلاد التونسية. كما أن المناطق الساحلية معرضة بشكل خاص للانجراف البحري وتملح التربة، مما يقلل من الموارد المائية المتاحة ويسبب تدمير الحيوانات والنباتات. وسيكون لهذه الاضطرابات تأثير كبير على الاقتصاد. ووفقا لوزارة الفلاحة التونسية، يمكن أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي من الدخل الزراعي بنسبة تتراوح بين 5 و 10 في المائة في عام 2030. ويمكن أن ينخفض إنتاج بساتين الزيتون، التي يغطي دخلها نحو مليون تونسي، إلى النصف. وسيتحمل قطاع السياحة أيضا تكاليف هذه الاضطرابات مع تدهور الأنشطة على الواجهة البحرية على وجه الخصوص. بجزيرة جربة، ترى المنتجعات الكبيرة بالفعل مدى تقلص شواطئها. وفي هذين القطاعين، الزراعي والسياحي، سيكون هناك 000 36 فرصة عمل مهددة مباشرة. وقد أخذت الحكومة التونسية المسألة بالجدية الكاملة، وحددت هدفا طموحا خلال مؤتمر الأطراف 21 وهو الحد من كثافة الكربون بنسبة 41٪ بحلول عام 2030 مقارنة بعام 2010. واتخذت تدابير لزيادة كفاءة استخدام الطاقة في المرافق والحد من تبعية تونس في مجال الطاقة. وهكذا، تم إطلاق خطة للطاقة الشمسية لتعزيز حصة الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء. ومع ذلك، مهما كانت الجهود المبذولة للحد من الانبعاثات، فإن هذا لن يكون كافيا. والواقع أن تونس لن تتمكن من تجنب تداعيات تغير المناخ الناجمة عن زيادة الانبعاثات على الصعيد العالمي. وللحد من الآثار السلبية لتغير المناخ، التي ستؤثر أولا على أشد الناس فقرا، يتوجب بالتالي الاستثمار في التكيف مع آثار تغير المناخ. والمشاريع التي حددتها الحكومة التونسية ليست مفقودة: إنشاء نظام لرصد المناخ والإنذار المبكر، وإطلاق آلية للحماية من الأخطار المناخية، وحماية المناطق السياحية من تقدم البحر، وتحسين أو إدارة الموارد المائية، مع حفظ التراث الجيني المحلي وحمايته من أجل تكييف المغروسات مع تغير المناخ. كما أن مسألة التهيْئة الترابية ستكون أساسية لإعادة النظر في نموذج المدينةالتونسية، القائم اليوم على الزحف العمراني. ومن المهم اغتنام فرصة التكيف لتنمية حلول مبتكرة. ويشمل ذلك بالخصوص التركيز على البحوث الداعمة للسياسة العامة وبناء القدرات ونشر الابتكارات في مجال التكيف. تعمل الوكالة الفرنسية للتنمية بالفعل مع الحكومة التونسية من خلال تعزيز التعاون على التكيف. وستنفذ مرفق «أدابتأكسيون»« Adapt'Action » لدعم الحكومة في صياغة المشاريع الهيكلية في هذا المجال. ومن الضروري أيضا إعادة النظر في كيفية تصميم هذه المشاريع وإدارتها. وفي قطاع المياه، أظهرت دراسة بسيسي واد العكاريت حول إدارة المياه الجوفية فوائد الإدارة المجتمعية والتشاركية من أجل الاستخدام المستدام لموارد المياه. وستستفيد مشاريع التكيف من إدارتها من قبل المستخدمين أنفسهم، وهذا المبدأ ينطبق على جميع موضوعات التنمية. بالوكالة الفرنسية للتنمية، نعمل على مفهوم «المشترك» لفهم أفضل لكيفية الحفاظ على الموارد المشتركة أو الثقافية أو الطبيعية، مثل المياه أو الأرض أو الصحة وتطويرها وتعزيزها. وسيتطلب إجراء مشاريع التكيف هذه أيضا استثمارات مالية كبيرة مدعومة بسياسات عامة استباقية. ويتطلب ذلك فهما أفضل للتكامل بين المناخ والاقتصاد وفهما أفضل للمخاطر المالية المرتبطة بتغير المناخ وتحول الطاقة. هذا هو ما تقترحه الوكالة الفرنسية للتنمية من خلال نموذجه «جيمس»، والذي يسمح بتخطيط السياسات النقدية والمالية والأجور لمواكبة الاستثمارات الخضراء. وهذا النموذج يمكن تقسيمه حسب البلد. وحيث وضعت نسخة للاقتصاد البرازيلي بالتشاور مع المعهد البرازيلي للبحوث التطبيقية للاقتصاد. ويجري حاليا دراسة إصدارات أخرى لكولومبيا وفيتنام على وجه الخصوص. إن الأمر يتعلق بدعم شركائنا في تصميم مسار واقعي للتنمية المستدامة من وجهة نظر الاقتصاد الكلي. ولم يعد الوقت قد حان لمعارضة المناخ والازدهار، بل بالأحرى تصورهما معا، لكي يعتمد الازدهار على انتقال الطاقة وتكييف مجتمعاتنا مع تغير المناخ.