جولة سابعة من المفاوضات السورية انطلقت أمس بالعاصمة الكازخية أستانا بين الاطراف السورية المعنية بالنزاع الدموي الدائر في هذا البلد وبين الاطراف المتدخلة في هذه الازمة التي يشهد معها العالم تغيير وجه المنطقة ولكن أيضا تغيير التحالفات الجديدة والتوازنات ولعبة المصالح التي بصدد التشكل.. الواقع أنه بعد ست سنوات على الحرب الاهلية المدمرة في سوريا يبقى الغموض على أشده حول ما سيؤول اليه المشهد الجديد بعد مرحلة «الدواعش».. بل انه قد لا يكون من المبالغة في شيء الاقرار بأن الحقيقة الوحيدة الواضحة حتى الآن في المشهد السوري أن الدول والحكومات العربية وصناع القرار فيها لا يجيدون قراءة التاريخ ولا يمكنهم بالتالي الاستفادة من الاحداث الخطيرة سواء تلك التي خبروها وعاشوا على وقعها أو تلك التي قرأوا محطاتها في الكتب.. وآخر تلك الدروس ما كان اسحاق شامير يردده عند انطلاق مفاوضات مدريد للسلام بأن «الاسرائيليين سيدوخون الفلسطينيين مائة عام في مفاوضات لن ينالوا معها شيئا»... خطورة كلام شامير الذي حذر منها الكثيرون في حينه تجد لها اليوم وقعها في سوريا ولكن مع اختلاف مهم.. واذا كان الخلاف الفلسطيني الإسرائيلي يتعلق بمظلمة تاريخية سلطت على الشعب الفلسطيني الذي هجر من ارضه التي استوطنها الصهاينة ولا يمكن أن يستمر الى ما لانهاية فان الامر في سوريا أكثر تعقيدا لأنه يتعلق بصراع سوري- سوري. والاكثر من ذلك فلكل طرف قوى اقليمية و دولية تدعمه ماديا وسياسيا وعسكريا تفرض عليه شروطها وخياراتها.. فليس سرا اليوم أن المعارضة السورية باتت معارضات بين معارضة معتدلة واخرى متشددة وثالثة معسكرة.. وبين معارضة لندن ومعارضة الرياض ومعارضة باريس ومعارضة انقرة ومعارضة الدوحة ومعارضة واشنطن تاهت المرجعيات وتضاربت الخرائط وضاعت الاولويات والاهداف.. في المقابل فان دمشق المدعومة من موسكو وطهران ورغم ما تحقق لها ميدانيا لا تبدو في وضع أفضل في استقلالية قراراتها وخياراتها الراهنة والمستقبلية في مفاوضات يتحكم في تسييرها الحليفان الروسي والايراني اللذان لن يكون بإمكان دمشق التحرر منهما حتى بعد التوصل الى هدنة طويلة.. ذلك أن ما حل بسوريا من خراب و دمار وتدمير ممنهج قد يحتاج الى عقود طويلة قبل أن تستعيد سوريا سلطة القرار وتعيد اعمار وبناء ما تهدم.. مفاوضات في استانا وأخرى في جنيف وثالثة ربما تبدأ خلال أسبوعين في مدينة سوتشي الروسية وفيما تبحث الاولى المسائل العسكرية تهتم الثانية بالمشهد الانساني وربما تعمد المحطة الروسية القادمة الى جمع الاثنين وسحب البساط امام بقية الاطراف.. حلقة المفاوضات السورية لا تنتهي الا لتبدأ من جديد دون تغيير يذكر باستثناء اتساع عدد الوافدين الجدد على المفاوضات فيما تتواصل معاناة الشعب السوري الواقع بين حسابات وصراعات القوى الاقليمية والدولية وبين ما بقي من الجماعات الارهابية والشبكات المسلحة تعصره كيفما تشاء.. أغرب ما تسرب عن اجتماع أستانا الذي انطلق بالأمس ليستمر على مدى يومين أن هناك توجها للبحث عن وسيط يقود الحوار بين الحكومة السورية وأطراف المعارضة.. وليس من الواضح ان كان هذا الوسيط سيحتاج بدوره الى وساطة لترجمة ما يأتي على لسان الفرقاء السوريين العرب من مطالب أو شروط.. وهل سيحتاج الوسيط لنقل مطالب الحكومة والمعارضة من اللغة الام العربية الى الفرنسية أم الى الانجليزية أو الالمانية أو اليابانية أو غيرها فتجربة العرب مع لعبة المفاوضات طويلة جدا ومع ذلك فلا يبدو أنهم تعلموا شروطها ومبادئها وفنونها.. ومنذ بداية ما وصف بالربيع العربي مر على الليبيين أكثر من وسيط اجنبي ولا تزال لغة الحوار معطلة بين ابناء هذا البلد والامر ذاته يتعلق بلبنان والعراق من قبل.. من مؤتمر شعوب سوريا الى مؤتمر الحوار الوطني من الواضح.. تطور لافت في الحوار السوري- السوري يمكن أن يمنح المبعوث الاممي ستيفان دي ميستورا ما يفاخر به بين حلقة واخرى من المفاوضات..