بسبب تأخر إصدار قانون المالية التكميلي لسنة 2017 بالرائد الرسمي، وتسجيل عجز في ميزانية التأجير لنفس السنة، من المنتظر أن تعرف أجور شهر نوفمبر الجاري بالنسبة لموظفين من عدة وزارات على غرار التنمية والتعاون الدولي والتعليم العالي بعض التأخر. ويعزى العجز في ميزانية التأجير التي تعرفها عديد الوزارات إلى اعتماد مستوى التأجير في ميزانية الدولة لسنة 2017 على أساس 10 أشهر فقط وليس عاما كاملا وهو أمر تفطن إليه اعضاء مجلس نواب الشعب عند مناقشة مشروع ميزانية الدولة لسنة 2017.. كما يعزى السبب أيضا إلى حصول سهو فادح عند إعداد ميزانية السنة الجارية حين تم التغافل عن وضع اعتمادات تأجير بعنوان الانتدابات الجديدة المبرمجة لسنة 2017 خاصة في مجال الأمن والتعليم (رغم التعهد بعدم فتح مناظرات انتداب خلال2017) وأيضا بالنسبة لتمويل كلفة تسوية مئات الوضعيات من مظاهر التشغيل الهش.. وعلمت «الصباح» في هذا الشأن أن عدة وزارات تولت التنسيق مع وزارة المالية (الأمانة العامة للمصاريف) لصرف المرتبات في حدود الاعتمادات الحينية المتوفرة لتغطية العجز الحاصل لشهر نوفمبر على أن تتم التسوية عند صدور قانون المالية التكميلي بالرائد الرسمي. ويبدو من خلال فحوى النقاشات بخصوص ميزانيات الوزارات للسنة المقبلة في لجنة المالية والتخطيط أن الأمر سيتكرر خلال السنة المقبلة، علما ان بعض الوزراء ألمحوا إلى وجود عجز متوقع في مستوى ميزانيات التصرف وخاصة في مستوى التأجير وقد تجد وزاراتهم عجزا في تغطية أجور موظفيها لنفس السبب.. وتشير التوقعات إلى ارتفاع متوقع لكتلة الأجور بسبب الزيادات المقررة للسنة المقبلة وتواصل الضغوطات على الحكومة لتسوية بعض الوضعيات في الوظيفة العمومية ومطالبة بعض القطاعات المهنية بالترفيع في الأجور او تطبيق اتفاقيات سبق التوقيع عليها ولها انعكاس مالي.. فرضيات خاطئة وفي صورة تواصل ضعف الموارد المالية الذاتية وتواصل اختلال الميزان التجاري واحتمال قوي لتغير فرضيات المؤشرات المالية التي بنيت عليها ميزانية العام المقبل، قد تضطر الحكومة في النهاية إلى اعداد مشروع قانون مالية تكميلي لسنة 2018.. وبالتالي اعادة مراجعتها نحو الارتفاع على غرار تحديد السعر المرجعي لبرميل النفط ب54 دولارا في حين أن التوقعات تؤكد أن معدل برميل النفط خلال هذه الفترة وبداية السنة المقبلة قد يعرف ارتفاعا ملحوظا يفوق بكثير فرضية 54 دولارا، فضلا عن تواصل انزلاق الدينار التونسي امام العملات الرئيسية مثل الأورو (حاليا الأورو يساوي 2.92 دينار) والدولار (حاليا الدولار يساوي 2.5 دينار تونسي).. معضلة التحكم في كتلة الأجور وتعتبر التحكم في كتلة الأجور معضلة عويصة بالنسبة للحكومة، فرغم برامج التقاعد المبكر والخروج الطوعي للموظفين، ستعرف كتلة الأجور بالنسبة إلى الناتج المحلي الاجمالي للسنة المقبلة ارتفاعا ليصل إلى 14.8 بالمائة، وهي نسبة مبنية على ارتفاع متوقع للأجور في الوظيفة العمومية خلال الثلاثية الأولى من السنة المقبلة باعتبار صرف مفعول رجعي للزيادات يقدر ب50 بالمائة من نسب الزيادة المقررة، فضلا عن زيادات جديدة في الأجور، ما من شأنه الترفيع في نفقات الأجور قد تصل إلى أكثر من 500 مليون دينار.. علما أن النسبة المتوقع لكتلة الأجور لكامل 2017 حددت ب14.7 بالمائة.. وهي نسب بعيدة جدا عن الهدف المرسوم خلال 2020 بالوصول بكتلة الأجور ب12 بالمائة من الناتج الداخلي الاجمالي.. وبالعودة إلى معضلة التأجير، انتقد عديد النواب بمناسبة مناقشة قانون المالية التكميلي يوم 7 نوفمبر 2017 تعمد الحكومة اعتماد ميزانية تأجير ب10 أشهر بالنسبة لسنة 2017، مما خلق عجزا ب600 مليون دينار لبقية السنة أي شهري نوفمبر وديسمبر من السنة الحالية. حتى بعض النواب مثل ريم محجوب وسامية عبو كشفوا أن الحكومة على كتلة أجور منقوصة بشكل متعمد في محاولة للتحيل أمام صندوق النقد الدولي.. وذكرت النائبة سامية عبو بأنها سبق أن نبهت بأن ميزانيّة 2017 لم تحترم مبدأ سنويّة الميزانيّة وبرمجت إلى 10 أشهر فقط من الأجور في أكثر من 10 وزارات.. يذكر أن وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي السابق محمد الفاضل عبد الكافي كان قد كشف خلال مناقشة ميزانية وزاراته لسنة 2017 بتاريخ 7 نوفمبر من السنة الماضية أن مشروع ميزانية التنمية لسنة 2017 تضمن نقصا بشهرين في كتلة أجور أعوان وموظفي الوزارة وأن المشروع المعروض لن يفي إلا ب 10 أشهر فقط.. وهو ما حصل فعلا. تجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2017، يهدف إلى تمكين الحكومة من تغطية حاجيات إضافية صافية من التمويل لتحقيق توازن ميزانية الدولة لسنة 2017 بحوالي 1825 مليون دينار، وهي حاجيات متأتية من زيادة صافية في النفقات ب 2130 م د ناتجة عن حاجيات اضافية غير مدرجة بقانون المالية تهم الزيادة في الأجور ب600 م د وارتفاع نفقات الدعم ب900 م د فضلا عن تفاقم خدمة الدين العمومي ب 1265 م د (الفائدة 40 م د والاصل 1225م د) مقابل اقتصاد جملي في النفقات بحوالي 635 م د. ومن المتوقع ان يسجل عجز الميزانية موفى سنة 2017، نتيجة لهذا الوضع، ارتفاعا ب632 م د ليبلغ مستوى 5977 م د او ما يعادل 1ر6 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي مقابل 5345 م د او 4ر5 بالمائة مقدرة في قانون المالية الاصلي لسنة 2017 و5510 م د او 1ر6 بالمائة مسجل في موفى سنة 2016. وسيرتفع حجم الدين العمومي ليصل الى مستوى 6ر69 بالمائة من الناتج المحلي في موفى 2017 مقابل 9ر61 بالمائة في موفى سنة 2016.