هل يتجه الرئيس الامريكي دونالد ترامب إلى تصدير أزماته الداخلية بعد الفضيحة المدوية واعترافات مستشاره السابق مايكل فلين بالتخابر مع روسيا قبل الانتخابات الأمريكية على عكس ما سبق للرئيس ترامب إعلانه للرأي العام؟وهل سيكون ملاذ سيد البيت الابيض من قائمة الفضائح المطروحة أمامه بتلبية مطالب اللوبي الصهيوني والاستجابة لشروطه والقبول بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدسالمحتلة لتفادي الأسوأ؟.. بعد التهديد بإغلاق مكتب السلطة الفلسطينية في واشنطن والتلويح معها بقطع المساعدات المالية السنوية للفلسطينيين المقدرة ب400 مليون دولار، وبعد التهديد بنقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدسالمحتلة، بدأت توجهات «صفقة القرن» التي ما انفك الرئيس الامريكي دونالد ترامب يبشر بها تتضح. بل لعل الساعات القليلة القادمة ستكون كفيلة بإسقاط الأوهام نهائيا بشأن توجه الرئيس الامريكي الى اعادة دفع جهود السلام في الشرق الاوسط... والارجح أنها ستكون ساعات حاسمة قبل اعتراف يبدو وشيكا من الادارة الامريكيةبالقدسالمحتلة عاصمة للكيان الاسرائيلي المحتل في تعارض صارخ مع القانون الدولي، ولكن أيضا - وهذا ما يتعين الانتباه له - في اعلان ضمني لحرب غير مباشرة على الشعب الفلسطيني كما على السلطة الفلسطينية التي تتفاقم من حولها الضغوطات الامريكية والابتزازات لدفعها الى التخلي نهائيا على ملاحقة مجرمي الحرب أمام محكمة الجنايات الدولية... سباق ضد الزمن من جانب الادارة الامريكية لتجنيب الرئيس الامريكي تداعيات الازمات المتعاقبة التي طغت على المشهد مع تواتر اعترافات مستشاره السابق فلين بالتخابر مع الاطراف الروسية خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، الامر الذي ظل ترامب ينكره ويعتبره حملة منسقة ضده. صحيح أن اعترافات المستشار السابق والاتهامات الموجهة له بالكذب لن تؤدي الى محاكمته او مقاضاته، ولكنها تظل فضيحة سياسية وأخلاقية تهز الرأي العام الامريكي الذي لا ينظر بعين الرضا الى التدخل الروسي في توجيه الانتخابات الامريكية، وربما ترجيح فرضية فوز ترامب في السباق الانتخابي.. محاولات الانتصار لحاكم البيت الابيض بعد سنة على انتخابه والتضحية بحق الشعب الفلسطيني المشروع ستجد لها في الكونغرس الامريكي أيضا سندا مطلقا حيث استبق الخطوة القادمة بإقرار مشروع ترامب لإصلاح مالي تاريخي ينص على تخفيضات ضريبية كبرى تنفيذا لوعد انتخابي قطعه. فليس سرا أن الكونغرس سواء كان تحت هيمنة الجمهوريين او الديموقراطيين مساند لقرار نقل السفارة الامريكية الى القدسالمحتلة والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال... هدف كانت ولا تزال مختلف الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تسعى الى تحقيقه ولكنه ظل يؤجل كل ستة أشهر بحكم قانون في الغرض يعود الى سنة 1995.. وفي انتظار خطاب مرتقب اليوم لصهر الرئيس الامريكي جاريد كوشنير ومستشاره المقرب حول توجهات الخارجية الامريكية في الشرق الأوسط، تبقى كل الاحتمالات قائمة لتنفيذ ما كان ترامب وعد به خلال حملته الانتخابية في نقل السفارة الى القدس، حيث سبق لنائبه مايك بنس، الذي يزور القدس قبل نهاية العام الحالي، الإعلان عن توجه جدي لنقل السفارة وهي خطوة غير مسبوقة تتعارض مع وضع القدس الخاضعة للتدويل. معركة غير متوازنة يدفع فيها المجتمع الدولي الى مساواة الضحية بالجلاد والتضحية بحق الشعب الفلسطيني المشروع دعما لسلطة الاحتلال ونزولا عند ضغوطات اللوبي الصهيوني المتحكم في صناعة القرار الامريكي ومؤسساته، وهو اللوبي المتأهب دوما لصنع الازمات عند الحاجة والاستفادة من الظروف التي ترتبط بها. قضية من الماضي أم قضية المستقبل؟ في ظل خطورة المشهد وتداعياته المحتملة يبدو التساؤل عن البدائل المطروحة أشبه بالعبث... فالهيمنة الامريكية على ما بقي من عملية السلام، التي تتجه الى تلقي رصاصة الرحمة في حال أصرت ادارة ترامب على قرارها نقل السقارة الامريكية الى القدسالمحتلة، لا تترك للفلسطينيين من خيار غير التنصل نهائيا من قيود مشروع السلام الذي حمل عنوان «الارض مقابل السلام» والذي لم يمنح الفلسطينيين غير الاوهام فيما ظل سرطان الاستيطان ومشاريع التهويد والاسر والقتل والحصار والتهجير الممنهج قائم. ومع ذلك فان ما حدث ويحدث من تواطؤ بين الحليف البريطاني الامريكي والإسرائيلي، منذ الوعد المشؤوم الى صفقة القرن، يجعل الفلسطينيين بمختلف انتماءاتهم أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما السير في نهج المصالحة الوطنية التي بدأت قبل أسابيع في مصر وتأجيل كل الخلافات والصراعات الكارثية والاستعداد للمرحلة القادمة... وإما الاستعداد لطي صفحة المشروع الوطني الفلسطيني، وهي مسألة تحتاج بالدرجة الاولى لإعادة الحسابات وإعادة تحديد الاولويات وتفرض لزاما على حركة «حماس» وكل حركات المقاومة الفلسطينية التراجع عن الاطماع السياسية والعودة الى المقاومة ضد الاحتلال كما أقرته المواثيق الدولية من تأكيد حق الشعوب في تقرير المصير، وهو ما يستوجب الالتحام مع الشعب الفلسطيني في اعلان هذه الخطوة... ذلك أن إرادة الشعوب وحدها تظل فوق كل القيود ولا تنتظر إذنا لإعلان انتفاضتها على الظلم والاحتلال.. محطات منسية يبقى ايضا ان في محاولة استباق الجمعية العامة للأمم المتحدة وإعلان رفضها للقرار الامريكي بنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس ما يمكن أن يؤجل الامر لفترة أخرى، ولكنه سيعود الى السطح لاحقا ويضاعف حجم القيود والاستفزازات ومحاولات الابتزاز للفلسطينيين. قبل أيام وتحديدا في 29 نوفمبر، والذي يصادف اليوم العالمي للتضامن مع الشغب الفلسطيني، تعددت المظاهر الاحتفالية بهذا الحدث لإحياء الذاكرة الفلسطينية. وخلال ندوة دولية حول القضية الفلسطينية والامن القومي العربي وتوظيف الاعلام زمن الحروب بمشاركة نخبة من الخبراء والسياسيين والإعلاميين، كانت لوزير الخارجية الاسبق الحبيب بن يحيى مداخلة اشبه بحديث الذكريات اختتمت على وقعها اشغال الندوة، دعا خلالها الديبلوماسي المخضرم الى أهمية اعتبار القضية الفلسطينية أولوية. وشدد بن يحيى على أن القضية الفلسطينية ليست قضية من الماضي ولا الحاضر، بل هي قضية المستقبل، وأكد على أهمية العودة الى القرار 181 وأهمية استعادة اعتراف واشنطن بالقضية الفلسطينية. ما العمل؟ يقول الحبيب بن يحيى انه لا مجال لسياسة منفردة لكل دولة عربية مع اسرائيل وأنه لا بد من العودة لجمع الشمل وأن الخصومات العربية-العربية لا يجب أن تشتت أو تعطل العمل العربي. بن يحيى الذي كان سفيرا لتونس في واشنطن وشاهدا على محادثات السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين استعاد مطولا الظروف والملابسات التي سبقت الذهاب الى المفاوضات في واشنطن وما سبقها من تنسيق بين الزعيمين الراحلين، الفلسطيني ياسر عرفاتوالتونسي الحبيب بورقيبة. وفي تصريحات غير مسبوقة كشف بن يحيى أهمية ما قدمه اللوبي العربي الفلسطيني في تلك الفترة والاجتماعات التي كانت تعقد بمقر السفارة التونسيةبواشنطن للدفع الى اعتراف واشنطن بالقضية الفلسطينية والى فتح سفارة فلسطينية في أمريكا. واشار بن يحيى الى دور الديبلوماسي في ادارة كلينتون جاك بيرسي في هذا الامر. بن يحيى أشار الى ان النضال الفلسطيني طال وإنه لا بد من طرق جديدة لدعم القضية الفلسطينية وسياسات عربية إسلامية أكثر فاعلية.. وخلص الى ان القضية الفلسطينية يجب ان تكون جوهر القضايا العربية حتى تعود الذاكرة المفقودة الى واشنطن ومشيرا الى أهمية احياء مكانة ودور امريكا اللاتينية ودول عدم الانحياز وكل الدول التي لها حساسية للقضية الفلسطينية الى جانب جمع الشمل العربي... في سفارة تونسبواشنطن اذن تم بحث التفاصيل الدقيقة التي سبقت الاعتراف الامريكي بالقضية الفلسطينية وتحديد المواعيد اللاحقة... ونحن نتابع ما قدمه وزير الخارجية الاسبق والامين العام للاتحاد المغاربي، يبقى لزاما اليوم استعادة النظرة الاستباقية لوضع حد للازمات وحروب الاستنزاف ومحاولات التدمير الذاتي الممنهج الذي تشهده المنطقة العربية والذي يُغرق شعوبها في الدمار والخراب، الذي قد لا يمكن تجازوه قبل عقود طويلة...