اعتبر القيادي بنداء تونس خالد شوكات اننا لا نزال مهددين في قدرة ديمقراطيتنا الناشئة على الصمود، معتبرا أنها مهددة من اعدائها في الداخل والخارج. وقال شوكات في حوار ل»الصباح» ان السياق الراهن غير ملائم أبدا لإنتاج حكومة قوية ذات سند سياسي محدد ومسؤول داعيا الى مراجعة جذرية حقيقية وشجاعة للحكومة0 وانتقد المتحدث من اسماهم ب»المغامرين» اَي «نواب بلا أحزاب أصبحوا وزراء، وأحزاب بلا مقاعد برلمانية، عاقبهم الشعب التونسي فجازيناهم نحن بالحكم، وأحزاب كما وصفها البعض ووصفناه نحن تريد الزبدة ونقود الزبدة، أي فوائد الحكم والمعارضة معا». بداية كيف تقيمون الوضع العام للبلاد؟ -وضع البلاد ليس خافيا على أحد، وليس هناك اختلاف أبدا بين اليمين واليسار في تشخيص حال الأمة التونسية، خصوصا في النقطة المتعلقة بالوضع التنموي الاقتصادي والاجتماعي، فهناك شبه إجماع على أننا ما نزال نقبع تحت أعباء الأزمة، وما نزال مهددين في قدرة ديمقراطيتنا الناشئة على الصمود. هل بهذا المعنى أن الديمقراطية في تونس باتت مهددة؟ وممن تحديدا؟ - أكدت مرارا وتكرارا، على أن الديمقراطية التي لا تخلق الثروة ولا تحقق الرفاه وتقود البلاد إلى الوراء اقتصاديا واجتماعيا ستظل مهددة وفي مرمى سهام أعدائها الداخليين والخارجيين وما أكثرهم. إنني كديمقراطي ناضل أكثر من ثلاثة عقود من أجل أن يصبح النظام السياسي في بلاده نظاما ديمقراطيا، أتألم جدا عندما أسمع المواطنين يترحمون على أيام النظام السابق، ويوجهون اللعنات للطبقة السياسية الجديدة التي تعد برأيهم مسؤولة عن تدهور معاشهم، ويكفرون بالأحزاب التي هي في الأصل عماد الديمقراطية لأنهم يعتقدون أنها تبجل مصالحها الضيقة على حساب المصلحة الوطنية. ولكن حزبكم اليوم من بين الاحزاب التي يكفرها الشعب الا تعتبرون أن النداء ساهم في الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الراهنة؟ -لا أريد أن أردد كلاما خشبيا، ولا أحب أن أتفصى من المسؤولية، فالشعب انتخب حركة نداء تونس في المقام الأول لتحكم، وكانت توقعات الذين انتخبونا وعولوا علينا كبيرة، غير أن السياق السياسي لم يكن مناسبا. لقد اضطررنا منذ اللحظة التي تلت الانتخابات إلى تقديم التنازلات طمأنة للقوى السياسية في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة والدقيقة، وهو ما خلق حكومات غير قوية بما يكفي، أنهكتها الصراعات الحزبية الداخلية والخارجية على السواء. وفي الواقع كان ربما من الأجدر تشكيل حكومة من الحزبين الأولين الفائزين فقط. هل كان ذلك ممكنا؟ في بداية الامر لم يكن ممكنا، ثم لما أصبح ممكنا لاحقا زادت الأزمة الاقتصادية من ضغوطها فجاءت مبادرة حكومة الوحدة الوطنية، والتي بدل أن تخلق حكومة أكثر تضامنا وانسجاما وقوة، جاءت بحكومة ظاهرها تسعة أطراف وحقيقتها منزوعة السند السياسي بالمعنى الحقيقي للكلمة، والتغيير الايجابي لا يمكن أن تصنعه إلا حكومة قوية بحزام سياسي واضح ومسؤول، لا حزام سياسي ظاهره غير باطنه فضفاض ومائع لا يمنح رئيسها القوة الكافية ساعة الضرورة لإجراء ما هو مطلوب منه وربح المعارك التي أعلنها تباعا لكنه لم يحرز في أي منها الربح المقنع المتوقع. ألهذه الأسباب اذا جاءت الوثيقة المسربة عنكم بخصوص تغيير الحكومة؟ - تابعت جميع ردود الأفعال على الوثيقة، وأزعم أن جل من علق عليها لم يكلف نفسه عناء قراءتها والتفاعل معها بالشكل المطلوب، وحتى إن قرأها فإنه لم يفعل لأجل تحليلها تحليلا موضوعيا وتقديم خلاصة مفيدة للرأي العام عنها. الكل تقريبا ذهب بها خلاف المقصود منها، وهو تقييم سنة من العمل الحكومي.. الوثيقة المنشورة تعبر عن رأيي كمدير لمؤسسة حزبية «استشارية» وليست مؤسسة «قرار»، ومن واجبي كما تصورته إطلاع القيادة الحزبية والرأي العام على «الرأي» وما أحب التأكيد عليه إن الوثيقة لمن يقرؤوها بعيدا عن الحسابات الضيقة سيجد أنها بعيدة تماما عن معاداة الأشخاص وممارسة راقية للشفافية والمسؤولية، وستثبت الأيام حقيقتها وحجيتها. نقلت الكواليس أن الوثيقة متفق حولها داخل الحزب، غير أنه وقع التنكر إلى ذلك، لتكون أنت في واجهة الأحداث، فما مدى صحة هذا الخبر؟ -ليس أمرا جديدا أن أكون في واجهة الأحداث، ولا حتى أن أكون وحيدا في مواجهتها. كنت كذلك دائما لكل من تتبع مسيرتي السياسية على امتداد عقود.. لكن أؤكد على أن نشر الوثيقة في مثل ذاك التوقيت هو مسؤوليتي الشخصية الكاملة، وليس هناك في الأمر أي تخطيط جماعي مسبق، فهذا ليس من طبعي، وقد أردت من جهة تجنيب القيادة الحرج لمعرفتي بدقة التزاماتها وحساسية موقعها، كما أردت من جهة أخرى ربط الأمر بالتحوير الوزاري الذي سيعلن عنه. تحوير وزاري؟ هل ترون أنه من الضروري اليوم القيام به؟ -لا أبدا، لا أرى ضرورة للقيام بتحوير وزاري، لأن الأمر برأيي يتجاوز مجرد تحوير وزاري مثلما أشرت إلى الأمر في الخلاصات التي أوردتها في الوثيقة مثار الجدل.. لقد تبين ان السياق الراهن غير ملائم أبدا لإنتاج حكومة قوية ذات سند سياسي محدد ومسؤول، ومن هنا الدعوة إلى مراجعة جذرية حقيقية وشجاعة لهذا السياق. الأمر عندي لا صلة له بشخص رئيس الحكومة – وهو صديق وزميل سابق ورفيق نضال- كما يحاول البعض الايحاء، ولا حتى بأشخاص الوزراء – رغم تحفظي لدواع موضوعية على عدد منهم- بل بالسياق العام المشتت للسلطة التنفيذية والمضر بالنظام الديمقراطي. بهذا المعنى أي الأحزاب التي تراها تفيد الحكومة في المرحلة القادمة؟ -لقد بلغنا اليوم حالة من الميوعة السياسية كالتي نعيشها حاليا. الجميع يحكم والجميع لا يحكم. الجميع يتآمر على الجميع، والجميع يعرقل الجميع، وهذا مرده – عن حسن نية طبعا- إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية لأكتوبر 2014، من الناحية العملية، عندما ذهبنا إلى اعتماد مفهوم غير عملي ل»الوحدة الوطنية»، وجعلنا المجال الحكومي مطية للمغامرين السياسيين. من تقصد تحديدا بالمغامرين السياسيين؟ -الامر امامك جلي حيث نواب بلا أحزاب أصبحوا وزراء، وأحزاب بلا مقاعد برلمانية، عاقبهم الشعب التونسي فجازيناهم نحن بالحكم، وأحزاب كما وصفها البعض ووصفناه نحن تريد الزبدة ونقود الزبدة، أي فوائد الحكم والمعارضة معا، على نحو لم يعد أحد مسؤول أمام الشعب مثلما تنص على ذلك القاعدة الديمقراطية، في ضرب – غير مقصود- لمبدإ السيادة الشعبية والمحاسبة والمساءلة، وفي النهاية الأحزاب التي انتخبها الشعب وفي مقدمتها حركة نداء تونس هي من سيدفع الفاتورة. وهنا اعود لسؤالك السابق حول الأحزاب المفيدة للحكومة واقول انها تلك الأحزاب التي انتخبها الشعب لتحكم، الحزبان أو الثلاثة الأوائل، والتي ستكون مضطرة لتقديم جرد في الحكم للشعب التونسي في المواعيد الانتخابية القادمة سنتي 2018 و2019. هل تعتقد أن رحيل الشاهد ممكن بعد التصويت على قانون المالية؟ لا يرتبط بقاء الأخ يوسف الشاهد أو رحيله في رأيي بقانون المالية أو بغيره من القوانين. كما لا أريد أن يرتبط الحديث في هذا الأمر بشخصه، أي في ذاته، فنحن قوم مولعون كما أشرت ب»الشخصنة»، وتصوير أي حديث في قضية من هذا النوع باعتبارها «ولاء» أو «عداء»، ففي مثل هذه الأمور يجب أن يكون المعيار الأول هو التقييم الموضوعي للأداء إذ السياسة كما يقال بالنتائج، وعندما تكون نتائجك مرضية يجب أن تبقى حتى وإن كنت ألد الأعداء، وإن كانت نتائجك كارثية فيجب أن ترحل حتى وإن كنت أقرب الأصدقاء، فإن لم نكرس مثل هذه الأعراف بقينا كما نحن أمة مزاجية وانطباعية بينها وبين التقدم المطلوب حواجز وسدود. بالعودة إلى الحزب، هل انطلقتم في التحضير للمؤتمر؟ -من جهة الأدبيات واللجان الوطنية والمخططات انطلقنا منذ أن أعلنا عن ذلك قبل أشهر، لكن إعلاننا اقترن منذ البداية بشرط موعد الانتخابات البلدية، فإذا ما ثبت فعلا تنظيم الانتخابات في مارس، ونحن مستعدون لذلك بشكل كبير، فإن مؤتمرنا سيكون على الأرجح نهاية سنة 2018، وسيكون مؤتمرا ديمقراطيا تتطلب مراحله بين 6 و8 أشهر من الإعداد، فأمامنا ما يقارب 300 مؤتمر محلي وقرابة 40 مؤتمرا جهويا حتى نبلغ المؤتمر الوطني العام. هل تعتقدون أن كتلة الحزب والحزب قد تعرف عودة جل الغاضبين والمستقلين؟ -من الدروس المستفادة من الماضي القريب، أن لا يتاح المجال أمام الجميع للعودة، فالحزب خلافا لما يظنه البعض أو يتوهمه ليس ضعيفا، ولا يلهث وراء من غضب أو استقال لإعادته، رغم أسفه على خروج بعضهم. انسجام القيادة الحزبية شرط ضروري لبناء الرؤية وإدارة الهياكل، ومن هنا القبول المشروط لعودة العائدين بالتزام العمل على وحدة الحزب. بصراحة كيف تصف هؤلاء؟ - الباجي قائد السبسي: سيذكر له التاريخ أنه قائد سياسي عظيم جنب أمته ويلات الفتن والحروب وقاد باقتدار مسار بلده في الانتقال الديمقراطي ووضع بلاده على سكة العصر. - راشد الغنوشي: مفكر إسلامي مستنير تطور باستمرار فكرا وسلوكا نحو الأفضل وساهم في بناء جيل جديد من الحركات الإسلامية التجديدية المؤمنة بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. - الإعلام: في ورشة عمل كبرى، يعيش وضعا انتقاليا مثل الأحزاب والمجتمع المدني، ويجب أن نصبر عليه ونحترم حريته لأنه يبني معنا في ديمقراطية ناشئة. - التوافق: مفتاح نجاح التجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي، وهو ثقافة يجب أن نحرص على تعزيزها قبل أن يكون سلوكا سياسيا جازف برعايته الشيخان. - اتحاد الشغل: أحد الأعمدة الرئيسية التي بنيت على أساسها الدولة التونسية، وتجاوزه لوظيفته أحيانا، لا يعود بالضرورة إلى قوته بقدر ما يعود إلى الحكومة التي تقف في مقابله.