الأحزاب غنية وعامة الناس فقراء، هذا الوصف وحده يكاد ينطبق على بلادنا، فنحن نرى أحزابا تتواجد في مقرات فاخرة وتتوزع فروعها في بنايات فخمة في جل مناطق الجمهورية، ما يدعو إلى التساؤل حول ماكينة التمويل لتوفير الأكرية والتجهيزات وغيرها.. ... ما يستدعي الحديث عن هذه المسألة ما يتم تدارسه حول تمويل الأحزاب والجمعيات، تمويل مشبوه في جانب منه وتمويل خارجي في جانب آخر.. وأموال ضخمة تحصل عليها الأحزاب عن طريق عدّة أطراف بمن في ذلك عديد الجمعيات التي أصبحت مداخيلها بالأورو والدولار من أجل فعل الخير (طبعا هذا ظاهريا لأن ما خفي كان أعظم)... الأحزاب تتلقى تمويلات ضخمة والدليل مقراتها التي تكلفها غاليا.. وانتشارها، كذلك، وبحبوحة العيش التي أصبح عليها كوادر وأقطاب هذه الأحزاب.. بالإضافة إلى العاملين والموظفين وغيرهم من الأنصار المقربين، حتى أن البعض يعتبر الأحزاب وراء غلاء أسعار العقارات وكثرة كراء السيارات.. دون الحديث عن أملاك وأرصدة من يقودون هذه الأحزاب التي باتت مشروعا ناجحا ففي بلد يعد حوالي 12 مليون نسمة نجد 210 أحزاب، فبعث حزب أصبح بمثابة مشروع ناجح وكل من يحصل على "باتيندة" يكون قد فتحت في وجهه أبواب الثروة.. أحزاب غنية منتشرة، لكل منها برنامجه وأهدافه ولكن القاسم المشترك بينها هو استقطاب الناخب لكن المفارقة العجيبة أن الأصوات التي تجلبها ببرنامج غير قابل للتحقيق وبضعة الهدايا و"الصندويتشات" و"الشوكوطوم" والوعود ،هي أصوات الفقراء الذين يقدمون أصواتهم مقابل وعود قد لا تتحقق خاصة أن أحزاب ما بعد الثورة ،الحاكمة ،حققت الاشباع ومكنت اتباعها من آلاف الوظائف وسوت وضعيات الآلاف منهم، سواء عن طريق العفو التشريعي العام أو عن طريق التغلغل في مختلف الهياكل ومفاصل الإدارة والقطاعات والمنظمات وغيرها. جل الأحزاب ،وخاصة التي استقوت واستفردت بالساحة السياسية ،جزء هام من تمويلاتها غير معروف أو هو مجهول المصدر.. يضاف إلى ذلك أن البعض منها (وخاصة الأحزاب القوية).. تقف وراءها مئات الجمعيات التي تتلقى تمويلات كبيرة لتحقيق أهداف مموليها سواء عن طريق الجمعيات الخيرية ظاهريا وهي في الواقع تستقطب الشباب لغايات التطرف والتشدد ومنها ما هو متهم بالتسفير والارهاب، وحتى تلك التي تطلق على نفسها جمعيات قرآنية تلاحقها نفس التهم والشبهات، وهي جمعيات فاق عددها 20 ألفا خاصة خلال فترة حكم "الترويكا".. تمول وتساهم مقابل الحماية والحصول على تراخيص المنفعة مهما كانت نوعيتها متبادلة بين الأحزاب والممولين مهما (أيضا) اختلفت أشكالهم ومشاربهم، ولكن أيضا الضحية واحدة وهو المواطن، أو عامة الناس الذين يثقون في الساحة السياسية، المشتتة، القائمة على الصراعات والمزايدات، وعلى تمويلات لا واضحة ولا شفافة فالتونسيون قد انتقلوا من نظام الحزب الواحد والحاكم الواحد إلى وضع يشهد اسهالا حزبيا، يكنز ويغنم من الدعم.. في المقابل بقيت حال المواطن على ما هي عليه إن لم نقل أصبحت أسوأ بكثير مما كانت عليه..