في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار اليوم الى منتجع دافوس الذي يحتضن أحد أهم المواعيد السياسية والاقتصادية في العالم بحضور نحو سبعين من رؤساء الدول والحكومات ورؤساء البنوك، وفي الوقت الذي تتطلع فيه الأنظار الى متابعة ما يمكن أن تواجهها مشاركة كبار قادة العالم الذين سيواكبون مؤتمر دافوس من مظاهرات احتجاجية وتنديدات بتداعيات اقتصاد العولمة على الشعوب المستضعفة، طوى المؤتمر الرابع عشر لمجموعة 5 زايد 5 المنعقدة بالجزائر اشغاله بإصدار «إعلان الجزائر» الذي حمل في طياته قائمة من الاهداف السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية المشتركة، التي لو تم تفعيلها على ارض الواقع لغيرت وجه المنطقة وحولت المنطقة الى فضاء مغاربي ينافس فضاء دافوس السويسري.. صحيح أن دافوس يظل الموعد الذي يتطلع قادة العالم لا سيما قادة الدول التي تعيش على وقع الصعوبات الاقتصادية وتوقف عجلة التنمية وتضاعف نسق الغضب الشعبي للمشاركة فيه ولقاء نظراءهم من صناع القرار في الدول الكبرى، ولكن الحقيقة التي يتجاهلها الكثيرون أن دافوس لا يملك عصا سحرية تحل قضايا شعوب العالم وهو ليس أكثر من منصة دعائية تخدم صورة ومواقع ومصالح القوى الكبرى المتنفذة وهو بالتالي أبعد ما يكون عن الجمعية الخيرية أو هيئة متطوعة لخدمة الفقراء والمعوزين ولو كان كذلك لأثمرت جهوده منذ اول مؤتمر ظهر للوجود.. الحقيقة أن الحديث عن دافوس مغاربي ليس من فراغ وليس انسياقا وراء اوهام شعبوية ولكنه توجه وخيار كان يمكن أن يغير حال شعوب المنطقة لو توفرت معه الارادة السياسية المغيبة وتم بالتالي تأجيل الخلافات والانقسامات السياسية التي قسمت ظهر الجميع وجعلت المنطقة المغاربية تدفع ثمن اللامغرب وتعيش على وقع الفرص الضائعة امام الشباب المغاربي الذي يشكل الشريحة الاوسع لدول المغرب العربي.. الأصل في إحياء الاتحاد المغاربي ولاشك أن في انعقاد اشغال مؤتمر 5 زائد 5 في دورته الرابعة عشره نهاية الاسبوع بالجزائر ما يفترض أن يدفع واكثر من أي وقت مضى الى احياء الاتحاد المغاربي ليكون القاطرة التي تقود مختلف اتفاقات الشراكة مع الضفة الشمالية للمتوسط ومع كل اتفاقية اقليمية او دولية بما يعزز مصالح الدول المغاربية في مفاوضاتها مع تلك الاطراف.. الاتحاد المغاربي هو الاصل وهو الهدف الذي يفترض أن تسعى اليه حكومات الدول المعنية لتحصين مواقعها مستقبلا... قد يبدو الحديث عن الاتحاد المغاربي أشبه بالسراب في ظل الواقع المتردي لدول المنطقة وفي ظل ما تعيش على وقعه ليبيا من صراعات دموية بسبب ما سادها من فوضى وانتشار للشبكات الارهابية المسلحة وتجار المخدرات وعصابات السلاح ومافيا البشر وانهيار دولة القانون وتفاقم مخاطر الانقسام، ولكن ايضا في ظل استمرار الخلاف بين المغرب والجزائر وفي ظل انصراف تونس الى ازماتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وانصراف موريتانيا الى البحث عن حلول لأزماتها.. تغيير منطقة حوض المتوسط يبدأ بتغيير المنطقة المغاربية التي يتعين عليها أن تتطلع الى الاعلى وأن تتعلم فنون التحليق عاليا، ولاشك أن في ضمان نجاح واستمرار مؤتمر 5 زايد 5 الذي احتضنته الجزائر للمرة الثانية والذي يجمع الجزائر، ليبيا، المغرب، موريتانياوتونس عن الضفة الجنوبية للمتوسط، وإسبانيا، فرنسا، إيطاليا، مالطا والبرتغال عن الضفة الشمالية، يستوجب أن تحلق منطقة الحوض المتوسطي بجناحيها لتمنح شعوب المنطقة فرصة الخروج من دائرة الترقب والانتظار أن يأتي اليها الانقاذ من الخارج الى دائرة اعادة تحديد خياراتها الاستراتيجية وتحديد بوصلة السفينة المغاربية في حوض فضاء المتوسط بكل مكوناته الفسيفسائية والتي لا يمكن الا ان تكون مصدر اثراء لشعوب المنطقة.. لقد بدد حضور وزير الخارجية المغربي ناصر برويطة اشغال مؤتمر 5 زايد 5 آمال البعض الحالمين بدق إسفين الخلاف والشقاق بين المغرب والجزائر، وسحب حضوره البساط أمام ما تم ترويجه بشأن تخفيض المغرب مستوى المشاركة في هذا اللقاء.. والحقيقة أن الصور التي تم تداولها مع افتتاح اشغال المؤتمر والعناق الحار الذي تناقلته مختلف القنوات التي نقلت بين المضيف الجزائري احمد أويحيى وبين المسؤول المغربي وهما يدخلان قاعة الاجتماعات وقد تشابكت ايديهم ما يجب أن يعيد الى الاذهان ويدفع الى اعادة احياء الرهان على الاتحاد المغاربي الذي بدونه لا مستقبل لشعوب المنطقة في مواجهة التكتلات الاقليمية والدولية الحاصلة وتحقيق التنمية الاقتصادية والنهضة المعرفية المطلوبة والتكامل التجاري والثقافي المطلوب.. ولعل هذا اللقاء الذي يأتي قبل أيام على الذكرى التاسعة والعشرين لتأسيس الاتحاد المغاربي في 17 فيفري 1989 في مراكش ما يعزز تلك القناعة بأن مصير دول الاتحاد المغاربي وتطورها ورقيها في وحدتها وتكاملها وفي العمل على الغاء الحدود والحواجز الجغرافية المتوارثة عن التقسيم الاستعماري للمنطقة... بل الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أنه لا تكاد توجد في العالم منطقة اكثر تجانسا وتقارب مما هو حاصل بين دول المغرب العربي التي تشترك في جذورها وهويتها ولغتها ودينها وثقافتها وانفتاحها على العالم وفي ذلك مكسب يحسب لها ومن غير المفهوم كيف يستمر غياب هذا المشروع الذي حلمت به اجيال متعاقبة... لقد كشف اعلان الجزائر عن تقارب كبير في مواقف الدول المعنية ازاء مختلف القضايا الاقليمية والعربية والنزاعات الدموية من ليبيا الى سوريا وفلسطين ومنها ايضا الى قضايا الارهاب والهجرة السرية والجريمة المنظمة وفي ذلك ما يوفر الارضية لخيارات وبدائل مغاربية طال غيابها وهي خيارات مصيرية في تحديد الشراكة المستقبلية مع دول الضفة الشمالية لحوض المتوسط التي يفترض أن تكون تحت عنوان المنفعة المشتركة بدل أن تكون شراكة تفرض على الدول المغاربية منفردة أن تكون مصدر توفير للمواد الاولية والثروات الطبيعية وأن ينحصر دورها في مهام الشرطي الحارس لمصالح دول الشمال ورصد قوارب الهجرة السرية ومافيا تجارة البشر والمخدرات والارهاب... الحقيقة التي يتعين بذل كل الجهود الديبلوماسية لبلوغها وتجاوز كل العراقيل التي تقف دون تحقيقها ان احياء الاتحاد المغاربي ليس ترفا بل خيار مصيري لم يعد من سبب لتأجيله، وكلما كان صوت الدول المغاربية موحدا متضامنا وكلما اتجهت الاهداف لتحقيق التكامل الاقتصادي والتجاري بينها وتطوير فرص البحث العلمي والمعرفي، كلما تحقق لها الاكتفاء الغذائي الذي تتطلع اليه وتوفرت لها مزيد الفرص والآمال بإنقاذ تلك الاجيال من الشباب من الضياع والتحول الى جيوش حاقدة قابلة للاستقطاب من الجماعات المتطرفة او شبكات الارهاب والتهريب وتحويلها الى أدوات تدمير لمجتمعاتها.. «دافوس مغاربي» هدف طموح يحتاج فقط لتفعيل الارادة المغيبة والاستثمار في قدرات وامكانيات وطموحات مائة مليون من شعوب المنطقة الذين يحتاجون الى قيادة تملك من الجرأة ما يكفي لإنقاذ المشروع المغاربي المؤجل وتعزيز الفرص في بناء الفضاء المتوسطي الذي سيتمكن حينئذ من التحليق بجناحيه الضفة الشمالية والضفة الجنوبية للمتوسط...