بالرغم من النمو الكبير الذي تعرفه القارة الإفريقية فقد عرف تواجد البنوك الكبرى والعالمية شيئا من التراجع خلال السنة المنقضية في القارة السمراء. فقد باع بنك «Barclays» العالمي فرعة في مصر الى المغربي التجاري وفاء بنك سنة 2016 وفي نفس السنة كذلك اشترى البنك التجاري العالمي المصري فرع البنك العالمي سيتي بنك ويبدو أن عديد البنوك العالمية الاخرى تستعد للاعلان عن بيع فروعها في القارة الافريقية والتخفيض من تواجدها في السنوات القادمة. ولعل التساؤل الهام والذي يطرح نفسه بحدة هو أسباب هذا التراجع في تواجد البنوك العالمية في القارة الإفريقية في الوقت الذي تعرف فيه اغلب البلدان الافريقية مستويات نمو كبيرة جعلت أغلب الخبراء يعتبرونها قارة المسقبل. وقد خيرت العديد من البنوك العالمية التقليص من تواجدها ومن تعاملاته في القارة الإفريقية. ويمكن لنا الإشارة الى أربعة أسباب أساسية يمكن أن تفسر هذا التراجع. السبب الأول يخص تطبيق قواعد بازل 3 من ناحية الترفيع في الأموال الذاتية (fonds propres) عند أغلب المؤسسات البنكية ولتلبية هذا الطلب فقد خيرت اغلب البنوك العالمية التقليص في معاملاتها خاصة خارج مناطقها الجغرافية ما أثر على تواجدها في القارة الإفريقية. السبب الثاني مرتبط بقواعد المواصفة أو الإمتثال (règles de conformité) التي تطالب البنوك المركزية وهياكل المراقبة البنكية باتباعها لتفادي التهرب الضريبي وتبييض الاموال ومحاربة تمويل الارهاب. وقد طغت هذه القواعد الكثير من العهود على التعامل مع بعض البلدان الافريقية مما دفع البنوك العالمية الى التقليص من تواجدها ومعاملاتها مع بلدان القارة. الصنف الثالث يهم التطور الكبير الذي عرفته بعض المجموعات البنكية الافريقية والتي أصبحت تنافس بطريقة البنوك العالمية. وتعتمد هذه البنوك على معرفتها الجيدة والدقيقة بالأسواق الافريقية وخصوصياتها المستهلك. اما السبب الرابع فيهم التطورات والثورة التكنولوجية التي تعرفها الصناعة البنكية وادخال الرقمنة. وهذه التطورات تتطلب استثمارات كبيرة لم تعد البنوك العالمية مستعدة للقيام بها. إن تراجع البنوك العالمية وإعادة إنتشارها في محيطها الجغرافي في أوروبا وأمريكا الشمالية يعتبر تطورا هاما وتفتح هذه الخطوة مجالات كبيرة ومهمة لشركاتنا البنكية للتوسع والتطور في القارة الافريقية من اجل مصاحبة مؤسساتنا الصناعية والتجارية التي بدأت تكتسح الأسواق الافريقية وتضع فيها موطأ قدم. تونس في 5 فيفري 2018