نظمت مؤسسة تجارية خاصة مسابقة ترويجية اشهارية شهدها مدرج ابن خلدون بكلية الآداب والعلوم الانسانية بمنوبة عرضت منها قناة الحوار التونسي لقطات ظهرت فيها حنان الشقراني وجعفر القاسمي وعدد من المتسابقين عبرّ اغلب من تابعها في برنامج "كلام الناس" عن عميق الاستياء بعد استباحة الجامعة التونسية التي ناضلت رجالاتها وعلماؤها من اجل تحويلها الى منارة علمية يعتز بها التونسيون. انه لمن المؤسف حقا أن يقع تنظيم مسابقة لمؤسسة اقتصادية خاصة لا علاقة لها او بموضوعها بالجامعة اصلا، ولا تدخل حتى في اطار انشطتها الثقافية والتي يوجد لها مكان خاص في الجامعة يلتقي فيه الطلبة وضيوفهم من الفنانين او السينمائيين والمسرحيين وحتى المغنين ولو انه من تقاليد الطلبة ان لا يستقبلوا فيها إلا الفنانين الذين يتعاطون الفنون الراقية والملتزمة والبديلة في فضاء مخصوص له تاريخ نير صدح فيه شعراء مثل محمود درويش وسميح القاسم ومحمد الصغير اولاد احمد وحتى نزار قباني وغيرهم بأجمل وأجود القصائد. لقد عبر عدد كبير من المثقفين وقدماء طلبة كلية الآداب بمنوبة ومن تابع اللقطات التي عرضتها قناة الحوار التونسي عن استيائهم من دخول جعفر القاسمي وحنان الشقراني ومسابقة "نسكافيه" الى مدرج ابن خلدون بكلية الآداب بجامعة منوبة والرقص والتهريج على منبر مخصص لجلوس القامات المديدة في التدريس والنقد وإلقاء المحاضرات أي منبر علمي بامتياز يتمنى كل الطلبة الجلوس عليه يوما ويحلمون باعتلائه باستحقاق التمكن من مخاطبة عقول الطلبة. وتأسف البعض على استباحة هذا المنبر التعليمي المقدس والذي تخرج منه كبار الاساتذة والباحثين والدكاترة والذي له قداسة في نفوس من تخرجوا منه على مدى عقود كثيرة.. هذا المنبر- مدرج ابن خلدون- بالذات الذي اعتلاه عبد القادر المهيري وتوفيق بكار والشاذلي بويحي والشملي والطالبي ومحمد عبد السلام وعبد السلام المسدي وعبد الله صولة وعبد المجيد البدوي وعبد المجيد الشرفي وكمال عمران وغيرهم هرّجت فيه حنان الشقراني واعتلاه متسابقون لا علاقة لهم بالدراسة ولا بالجامعة. لماذا تم التجني على جامعة منوبة لاختيار "المواهب" وترويج التفاهات وهي التي تصطفي العلماء والدكاترة والأساتذة والمدرسين ونقاد الحركة الابداعية في تونس؟ وكيف قبل المسؤولون عليها بمثل هذا الاقتراح المهين للعلم والعلماء وللطلبة الجادين؟. وهل انتهت التظاهرات الثقافية التي تنور المؤسسات التربوية وتحفظ لها دورها التثقيفي والتوعوي ليقبل عميد الكلية هذا التعاون ويتيح فرصة التمثيل بهذا المعلم التربوي العريق والعظيم في نظر المثقفين من التونسيين. جعفر القاسمي فنان ومبدع وليس في استقباله أية اهانة لا للجامعة ولا لغيرها من المؤسسات التعليمية ولكن على ان يكون جعفر القاسمي المخرج المسرحي الحائز على اهم الجوائز العربية والتونسية بمسرحيات مثل "ريشار الثالث" و"حقائب" و"شمع" او صاحب "وان مان شو" النقد الاجتماعي اللاذع والذي يلفت الانتباه الى الظواهر الاجتماعية التي تتفشى في المجتمع او كصاحب البرامج الاذاعية الناجحة الداعية الى التضامن والبر والإحسان والتي يسند من خلالها خدمات الى المواطن التونسي المحتاج الى الدعم المادي والمعنوي. جعفر هذا لا حرج في ان تتم استضافته ليقدم شهادة حية وصادقة عن فنه امام طلبة الصحافة. ولكن ان تتم استضافته للتهريج وللإشهار للمؤسسات الاقتصادية الخاصة على حساب اكبر مؤسسة تعليمية نعتز بها فانه حقيقة من الامور التي فيها ما يقال ولعله يوجد بين طلبة وأساتذة كلية الآداب من يرى انه في العملية اهانة مقصودة او ربما سوء تقدير يستحق الاعتذار. ولعل البعض يتساءلون ويحق لهم:"كيف للعميد وإدارة كلية منوبة، كيف لرئاسة جامعة منوبة، كيف لطلبة منوبة أن يقبلوا بهذا او بان يكونوا ديكورا لتظاهرة اعلانية سخيفة.. الطلبة الذين كانوا كالأسود يمنعون هذه السخافات وغيرها من كلياتهم". الحقيقة نحن لا نعرف ان كانت كبار الجامعات العربية او العالمية "السوربون" مثلا تسمح بمثل هذه التظاهرات على مدرجاتها المهيبة وحتى وان سمحت فليس لنا ان نتبع كل السنن لأنه لنا عاداتنا وتقاليدنا وقناعاتنا ومثلنا العليا التي نقتدي بها نحن ننفتح على الآخر ولكننا لا نقلد بغباء. ولا نعتقد اننا نرفض هذه الاهانة من باب التخلف والرجعية او رفض الانخراط في التغيير ومحاولات التخفيف من وطأة الوضع السيئ الذي يعيشه التونسيون وخاصة منهم الشباب، وانما نحن نريد ان تكون للجامعة التونسية هيبة تجعلها منارة علمية ومنبرا يحلم باعتلائه المتعلمون المثقفون ليفيدوا الاخرين بعلمهم لا بتهريجهم حتى وان كان للبعض "طموح" مشروع وحلم بان يكونوا من بين مهرجي "السلطان" لا من بين الداعين الى النهوض بمستوى الوعي والفكر التونسي. علياء بن نحيلة