في الوقت الذي كان مريدوه والمؤمنون بالسينما البديلة التي اقترحها على تونس وعلى الوطن العربي ينتظرون لقاء جديدا مع المخرج السينمائي الطيب الوحيشي من خلال عرض فيلمه الاخير"همس الماء" فجعت الساحة الثقافية والتونسيون يوم الاربعاء 21 فيفري 2018 بوفاته. هذا التاريخ كان المفروض ان تنطلق منه مؤسسة القوبنطيني في تسويق فيلمه الروائي الطويل وهو من بطولة هشام رستم وفاطمة بن سعيدان وجمال المداني وامبرتا ماشي وحسان الدوس وسناء رستم وصلاح مصدق وانتاج سنة 2017 ويتناول في 87 دقيقة عودة المخرج انس -الذي كان في المنفى يلاحقه ماضيه العاطفي والسياسي- لإحياء مشروع أوبرا ديدون الذي اضطر الى التخلّي عنه قبل ربع قرن. ويعرض من خلاله الطيب الوحيشي الحياة اليومية بسيدي بوسعيد مكان عرض الأوبرا في تونس ما بعد الثورة. ولكن تم وبالاتفاق مع الراحل ان تكون انطلاقة عرضه في تونس يوم 2 مارس 2018 وللأسف لن يحضر الوحيشي احتفاء السينمائيين بهذا الفيلم رغم ان روحه سترفرف بالأكيد في ارجاء قاعة الكوليزي يومها وسيبكيه جمهوره الذي احترم فنه وزملاؤه الذين تواصلوا معه خبروا افكاره وطروحاته سواء تبنوها ونقدوها او انتقدوها وناقشوها وستبكيه السينما التونسية التي تركها يتيمة. انسحاب مؤلم لصاحب مسيرة حافلة بالآلام والتحدي خبر انسحاب الطيب الوحيشي من هذه الحياة كان مؤلما وسبب الحزن لمن عرفه من خلال اعماله السينمائية التي شكلت علامة مميزة في تاريخ السينما العربية وكان موجعا بالفعل لمن عرفه معرفة شخصية وتابع نضاله من اجل مواصلة مشروع ثقافي نحته فصلا فصلا منذ 37 سنة ولم يمنعه الكرسي المتحرك والاعاقة التي لحقت به سنة 2006 -على اثر حادث مرور تعرض له في ابو ظبي بالإمارات العربية المتحدة عندما دعي لترأس لجنة تحكيم»مسابقة الافلام من الامارات» -عن مواصلة مسيرته الحافلة بالآلام والمعرقلات والنجاحات حيث كان اول من اهدى تونس التانيت الذهبي في ايام قرطاج السينمائية بفيلمه الروائي "ظل الأرض". شاءت الاقدار ان لا يشاركنا احتفاءنا بمنجزه الاخير وان يفارقنا وهو يروي عطشنا لسينما نوعية مغايرة للسائد.. سينما انبثقت من تجربة ابداعية مريرة قوامها المغامرة حيث كاد يبيع منزله لإتمام فيلم "رقصة الريح" الذي انجز بكلفة150 الف دينار لولا انه وجد شريكا المانيا. وهذا لان الطيب لم يكن»ابن المنظومة السابقة»ولم يكن يحصل على الدعم لأنه لم يصطف يوما لإرضاء أي كان من خلال افلامه ولم يرض الاساءة لتونس ولو بصورة عرضية. وهو ما لم يتم تداوله لان الطيب كان يرفض الخوض فيه ويرفض التباكي ويواجه بالعمل وبالإضافة والتميز الذي اثبته كم الجوائز التي كان يحصل عليها مثل التانيت الذهبي في مهرجان قرطاج السينمائي عن فيلم «قريتي... بين القرى» في مسابقة الأفلام القصيرة لدورة 1972 وعن فيلم»ظل الأرض»سنة 1982الذي توّج في أسبوع النقاد بمهرجان»كان» الدولي وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في الجزائر، عن فيلم»غوري... جزيرة الجد»وجوائز أخرى في ميلانو وواغادوغو وباريس ومونتريال وجوهانسبرغ وروتردام وكان آخر تكريم له وهو على كرسيه المتحرك في مهرجان الإسكندرية السينمائي عن فيلم «طفل الشمس»2014 تكريم، ناله ايضا في تونس سنة 2012 وكذلك سنة 2016 بعرض فيلم»قريتي.. قرية من بين القرى» في خمسينية ايام قرطاج السينمائية تحت عنوان "من السجل الذهبي للأيام". سينما بديلة تهتم بقضايا انسانية بداية الطيب الوحيشي المتخرج من معهد السينما بباريس، كانت سنة 1970 بإخراج الافلام القصيرة الوثائقية مثل"الطريق المتقاطع "1970 و"التماثيل"1971 و"قريتي.."وله تقريبا 20 فيلما قصيرا اما افلامه الروائية فعددها تقريبا تسعة وهي"ظل الأرض" ،"رقصة الريح"،"ليلة افريقية"،"الخماس"، "قرطاج"و" اوبيرا ابن سينا"،"مجنون ليلى"، عرس القمر»،»مرايا الشمس»، اضافة الى فيلمه الاخير"همس الماء". ولان الراحل الطيب الوحيشي المولود في 16 جوان 1948 بمارث من ولاية قابس أحد أبرز المخرجين السينمائيين العرب الذين ساهموا في الارتقاء بصناعة السينما في الوطن العربي وثابر على النهج الذي سلكه وهو اقتراح سينما بديلة تهتم بقضايا انسانية جدية تنطلق من المحلي لتصل الى الكونية، ولأنه لاسمه ولإعماله مكانة بارزة ومهمة في التظاهرات والمهرجانات السينمائية العربية، ولأنه لم ينطلق في افلامه من فراغ وانما تعامل مع المختصين واستشارهم وتعاون معهم من ذلك ان فيلمه «ظل الارض»استند الى الدراسات الاجتماعية الأنتربولوجية مما جعله من ابرز وجوه السينما العالمية – مهرجان كان مثلا-، فقد تداولت وسائل الاعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة المحلية التونسية والعربية والعالمية خبر وفاته حتى ان التلفزة الوطنية التونسية الأولى اعتبرته ابرز اخبار الاربعاء21 فيفري 2018 وافتتحت به نشرتها الاخبارية. ونعته وزارة الشؤون الثقافية في بلاغ عددت فيه ابداعاته السينمائية المتميزة وجوائزه مؤكدة على ان النقاد عددوا مناقبه فقالوا: «اقترنت تجربته الإبداعية بالمغامرة والتحدي والرهان على الذائقة النوعية المغايرة، اختار الطيب الوحيشي الانتصار على آلامه بالسينما».كانت حياة الراحل الطيب الوحيشي درسا لكل من تقعده المحن عن العمل والتميز فيه، لم يستسلم للمرض ولا للإعاقة ولم يقبل عطف او شفقة احد من مريديه ومن المقتنيعين بفكره وبمنجزاته،احترم جمهوره ورفع عالم تونس عاليا في المحافل الدولية.. تونس التي تنعاه وتقدم تعازيها فيه لعائلته ولمنتج اغلب افلامه وصديق عمره لطفي العيوني وللسنمائيين التونسيين والعرب..