ما زالت أحداث ومستجدّات ما حصل يوم الاثنين الماضي بمحكمة بن عروس تلقي بظلالها على المشهد، وتتخذّ أبعادا مختلفة، تنطلق من وقائع وصفتها نقابة القضاة ب»المخجلة» بعد تجمهر عدد من الأمنيين في فناء المحكمة حاملين لسلاحهم الوظيفي، والذين حضروا إلى المكان باستعمال سيارات أمنية، احتجاجا على تتبعات قضائية ضدّ عدد من زملائهم بشبهة تعذيب أحد الموقوفين على ذمة قضية حق عام واستجابة لدعوة أطلقتها نقابة موظفي الإدارة العامّة للأمن العمومي ل«الاستنفار» والحضور بكثافة وملازمة المحكمة الى حين الافراج عن زملائهم الموقوفين. وقد أثار هذا الموقف «النقابي-الأمني» موجة من الانتقادات من أطراف قضائية وحقوقية وسياسية أيضا خاصّة بعد الأحداث المؤسفة التي شهدتها المحكمة والتي اعتبرت انتهاكا مباشرا لحرمة القضاء بالاضافة الى الانتهاك الحقوقي الذي لحق الموقوف والذي برّره البعض بكون الموقوف مشتبه به في قضية ارهابية. وكل هذه الوقائع طرحت أسئلة حارقة ملحّة حول ظروف مراكز الإيقاف وكذلك دور النقابات الأمنية ومسؤولية السلطة التنفيذية على مختلف التجاوزات الأمنية الحاصلة. استنفار أمني.. «استنفرت» نقابة موظّفي الإدارة العامّة للأمن على خلفية إيقاف ثلاثة زملاء وإحالة إثنين آخرين بحالة تقديم من أجل شبهة تعنيف أحد الموقوفين الذي اعتبرته النقابة «عنصرا ارهابيا خطيرا مورّطا في عملية اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي». واستغربت نقابة موظفي الادارة العامة للامن العمومي ممّا وصفته ب"الايقاف المتسرع" الذي اتخذه وكيل الجمهورية ببن عروس ضدّ الأمنيين المشتبه بهم في تعذيب الموقوف. وعلى خلفية ذلك دعت النقابة المذكورة جميع الأمنيين للاستنفار ورصّ الصفوف وكذلك دعت الأعوان لمقاطعة تأمين الجلسات بالمحكمة الابتدائية ببن عروس،وملازمة المحكمة الى حين الافراج عن الامنيين الموقوفين،كما دعت النقابة جميع الأمنيين الى عدم المثول مستقبلا أمام الجهات القضائية بخصوص القضايا المرتبطة بممارستهم لمهامهم الأمنية! تفاصيل مروّعة عن تعذيب الموقوف رغم محاولات التشكيك في عملية التعنيف والتعذيب الذي تعرّض له الموقوف )ع.ب(على خلفية قضية حق عام، الاّ أن تقرير الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب الذي نشرته للرأي العام مساء اوّل أمس حسم المسألة،برصده للانتهاكات التي تعرّض لها الموقوف،بعد زيارة تقصّ قام بها أحد أعضاء الهيئة على اثر تبليغها باشعار عن شبهة تعذيب وذلك يوم الجمعة الماضي. وقام عضو الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب بسماع المتضّرر في غرفة الايقاف بمحكمة بن عروس اعتبارا لكونها تعدّ من أماكن الاحتجاز التي يحق للهيئة زيارتها وقيام بتقارير التقصّي. وفي الرواية التي أدلى بها الموقوف ونشرتها الهيئة في تقريرها قال المتضرّر أنه يوم الخميس الماضي وفي حدود الساعة العاشرة ليلا حضرت إلى منزله حوالي تسع سيارات أمنية واقتحم الأعوان منزله وأخذوه بالقوة إلى مقرّ الشرطة العدلية بمنطقة حمام الأنف،وفي الأثناء كان يتم شتمه،ثم طلب منه رئيس فرقة الشرطة العدلية بعد استجوابه حول سيارة قال أنه لا يعلم عنها شيئا، نزع ثيابه، وقال المتضرّر أنّه رفض ذلك وتوسّل لهم حتى لا ينزعوا ثيابه لكنهم انهالوا عليه ب"البونية" ونزعوا ملابسه عنوة بما في ذلك تبانه وواصلوا ضربه ودفعه نحو البلور فتهشّم وقال أنه رأى إصبع يده اليسرى "البنصر" كيف يتدلّى ليفقد بعدها الوعي. كما أضاف أنه تم سكب الماء عليه ليستفيق ثم تم نقله الى السقيفة ووضعوه تحت المطر وألبسوه عجلة مطاطية ورشّوا عليه الغاز،وهو في تلك الحالة قام رئيس الفرقة بتسجيل فيديو له وهو عار بواسطة هاتفه الجوال وهدّده بنشره على "الفايس بوك"، وبقي على تلك الحالة الى حدود الساعة الثانية صباحا أين أخذوه الى المستشفى حيث تلقّى العلاج. وذكر التقرير أن عضو الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب عاين على المتضّرر آثار كدمات وضمّادات على مستوى اليدين تغطي الكفين والكوعين وزرقة على مستوى الخدّ والعين اليسرى وبقايا دم متجمّد على مستوى الرأس والأذن اليسرى وآثار دم واضحة على ملابسه من الأمام والخلف وعلى مستوى الكمّين.