يواصل وزير الخارجية الامريكي تيليرسون على مدى الاسبوع جولته الافريقية الاولى من نوعها منذ وصول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الابيض قبل أكثر من عام، وتشمل الجولة خمس دول افريقية هي التشاد وأثيوبيا، وجيبوتي، وكينيا، ونيجيريا. وعلى عكس ما قد يتبادر الى الذهن فإن المسؤول الأمريكي، وهو الوافد الجديد في عالم السياسة والديبلوماسية، ليس بغريب عن القارة الافريقية وهو القادم من عالم المال والاعمال وقد تولى ادارة عملاق النفط «ايكسون موبايل» وأشرف على صفقات النفط مع الدول الافريقية الغنية بالذهب الاسود قبل أن يدعوه الرئيس الامريكي لتعزيز فريقه وتحمل حقيبة الخارجية في ادارته.. عنوان جولة المسؤول الامريكي في افريقيا تعزيز العلاقات الامريكية الافريقية عنوان كلاسيكي للترويج الاعلامي ولكنه يحمل أكثر من عنوان خفي للحضور الامريكي في افريقيا رغم أن حملة الرئيس الامريكي دونالد ترامب رفعت شعار امريكا أولا (AMERICA FIRST) منذ البداية.. وسوف لن يتردد ترامب في نعت الدول الافريقية بأبشع النعوت العنصرية عندما وصفها بالحثالة في تبرير قراراته بشأن الهجرة الامر الذي دفع الاتحاد الافريقي للاحتجاج على تصريح زعيم القوة الاولى في العالم... تيليرسون في جولة افريقية والارجح أن الهدف لن يكون تصحيح الموقف المهين للرئيس ترامب ازاء الأفارقة، ولكن لتكريس حسابات المرحلة القادمة ومقتضيات الاستعداد لتوسيع دائرة الدول الافريقية التي اعلنت دعمها قرار الرئيس الامريكي نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدسالمحتلة والذي سبق لست دول افريقية تأييده وهي الطوغو وجنوب السودان المنفصلة حديثا عن دولة السودان واوغندا ورواندا والكامرون والبنين. ولان استراتيجية الحكومات الامريكية المتعاقبة تتطلق دائما الى المدى البعيد وما يمكن ان تمثله افريقيا بعد عقود طويلة، فان الجولة الراهنة لتيلرسون تشمل اثيوبيا التي تحقق اليوم نسبة نمو تقدر ب8 بالمائة، بكل ما يعنيه ذلك في لغة رجال الاقتصاد من فرص استثمارية وأسواق جديدة، كما تشمل كينيا حيث توجد اكبر سفارة امريكية في افريقيا، وجيبوتي التي تعد مقر اكبر قاعدة عسكرية امريكية دائمة ومنها يتم تزويد السفن العسكرية والتجارية الامريكية. اما نيجيريا حيث تنشط جماعة «بوكو حرام» الإرهابية، فهي تبقى مصدراا أساسي للنفط شأنها شأن التشاد.. ورغم انقضاء عقود على الاهانة الامريكية في الصومال وانسحاب القوات الامريكية من هذا البلد زمن ادارة الرئيس كلينتون فإنها تظل تحت المجهر الامريكي.. بل لا شك أن في تنافس القوى الاقتصادية والعسكرية الكبرى ومنها الصين واليابان والمستعمرة السابقة فرنسا والتحاق روسيا وتركيا بالقائمة عزز الاقبال الامريكي على افريقيا تمهيدا لعودة مرتقبة أيضا الى ليبيا التي انسحب منها الامريكيون بعد غزو السفارة ومقتل السفير الامريكي مع اثنين من موظفيه.. ولأن المصلحة الاسرائيلية جزء من الاولويات الامريكية فإن زيارة تيليرسون لن تخلو من حسابات دقيقة تستبق موعد المرور الى تنفيذ قرار نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس والبحث عن استقطاب المزيد من الدول الافريقية الفقيرة وإغراءها بالمساعدات بعد الموقف الصامد الذي التزمت به أغلب الدول الافريقية في رفض صفعة القرن... بقي الاهم والذي يفترض التوجس منه بعد نجاح الديبلوماسية العربية والافريقية في سحب البساط امام الطوغو وإسرائيل في عقد قمة اسرائيلية افريقية وهي مسألة لم تصرف عنها اسرائيل النظر... وستعمد مجددا لإغراء دول افريقية لتحقيق اغراضها قبل ماي القادم لتعزيز الموقف الاسرائيلي المستخف بالعدالة الدولية.. أخيرا وليس آخرا، فاذا كان هذا الجانب المعلن من جولة تيليرسون الافريقية فانه تواجد زعيم الديبلوماسية الامريكية قد لا يكون أيضا بمعزل عن الفيديو الذي نشره تنظيم «داعش» بشأن الكمين الذي اوقع أربعة من الجنود الامريكيين في النيجر وما أثاره من جدل في مختلف الاوساط الامريكية التي لم تتقبل الصفعة، لا سيما وأن النيجر تجمع نحو ثمانمائة من القوات الامريكية في إطار الحرب المعلنة على الشبكات الارهابية والتنظيمات المسلحة في المنطقة.. اما اعتذار تيليرسون نيابة عن رئيسه بشأن اهانة الدول الافريقية فتلك مسألة قد لا تكون ضمن أهداف الزيارة.. على الاقل في هذه المرحلة.