تحيي تونس اليوم، اليوم العالمي للمرأة الذي يوافق8 مارس من كل سنة وسط دعوات لتبنّي جديّا مبادرة رئيس الجمهورية والقاضية بالمساواة بين الجنسين في الميراث وتفعيلها. دعوات على أهميتها لدى البعض الا ان البعض الآخر يعتبر انه يتعين في الوقت الراهن الانكباب جديا على تجاوز ومعالجة المشاكل الحقيقية للمرأة التونسية بالنظر الى وجود قضايا أخرى أجدر بالاهتمام على غرار الوضعية التي يصفها البعض ب«المؤسفة» للمرأة الريفية. تلتئم يوم السبت 10 مارس الجاري ببادرة من التحالف التونسي من اجل تحقيق المساواة في الميراث مسيرة وطنية للمطالبة بالمساواة في الميراث وتنطلق هذه المسيرة من ساحة باب سعدون وصولا الى مقر البرلمان بباردو بمشاركة أكثر من67 جمعية من مختلف جهات الجمهورية. وتتزامن هذه المسيرة مع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة 8 مارس من كل سنة وبعد مصادقة مجلس النواب على القانون الأساسي للقضاء على العنف ضدّ المرأة في 11 أوت 2017، بما في ذلك العنف الاقتصادي». واعتبرت هالة بن سالم عضو الهيئة المديرة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، في تصريح ل«وات»، ان»التحالف يعمل على جعل المساواة التامة في الميراث مبدأ عاما في القوانين والتشريعات المعمول بها»معتبرة أن»المساواة في الإرث والحقوق الاقتصادية والاجتماعية من أوكد الأولويات المطروحة في الوقت الراهن»، وفق تقديرها.. وبعيدا عن الخوض في أهمية هذه المسالة من عدمها ومدى مشروعيتها استنادا الى النص القرآني فان»أوكد الأولويات المطروحة في الوقت الراهن»على حد تعبير عضو الهيئة المديرة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات يراها البعض تتجاوز مسالة الميراث لتطال مسائل اخرى اكثر اهمية. «فالضغط» الحاصل اليوم من اجل تفعيل هذه المبادرة يراه البعض وعلى اهميته- بالنظر الى المكاسب التي ستنضاف الى رصيد المرأة التونسية في مجال الحقوق والحريات»وطنيا ودوليا، انه جدل لا نحتاجه في الوقت الراهن بما أنّنا لم نتجاوز المشاكل الفعلية والحقيقية التي تعاني منها المرأة لا سيّما المرأة الريفية التي مازالت ينقصها الكثير والكثير حتى تتمتع بحقوقها لعلّ ابسطها توفير شاحنات نقل تستجيب لمقومات وشروط السلامة في ظل حوادث المرور القاتلة التي تذهب ضحيتها نساء كادحات على حد تشخيص البعض. من هذا المنطلق يتساءل كثيرون بإلحاح:هل تجاوزنا كل إشكاليات المرأة التونسية اليوم؟ هل وضعنا حدا لنزيف العنف المسّلط عليها بمختلف أنواعه سواء كان جسديا او اقتصاديا؟ وهل تجاوزنا ظاهرة التحرش الجنسي؟ حتى نناقش اليوم مسالة المساواة في الميراث التي ستسيل الكثير من الحبر في ظل اختلاف الآراء بشانها. كما يرى كثيرون أيضا أن هذه المسالة وعلى أهميتها في ظل المكاسب التي ستتحقق للمراة الا ان الاجدر والانسب هو تجاوز جميع اشكاليات المرأة ثم الخوض في هذا النقاش. لعبة انتخابية وسياسية تفاعلا مع هذا الطرح والأسئلة المطروحة سلفا أورد أسامة كيوة باحث في علوم الأجرام في الشّريعة وأصول الدين في تصريح ل»الصباح» أن مسالة المساواة في الميراث تعتبر مسالة سياسية وإيديولوجية بامتياز. فهي ليست غيرة على المرأة وعلى وضع المرأة في تونس بقدر ماهي لعبة انتخابية ولعبة سياسية لان المتمعن في أوضاع المرأة يلمس مشاكل كبيرة تعاني منها أهم من مسالة المساواة في الميراث على غرار المرأة الريفيّة التي تعمل ليلا نهارا مقابل 3 د فقط علاوة على تعرضها للتحرش ومع هذا فلا يدافع عنها احد على حد قوله. ومن هذا المنطلق فمن وجهة نظره فان هناك مشاكل تعاني منها المرأة التونسية أولى من مسالة المساواة في الميراث. كما يعتبر كيوة أن كلمة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة لا يمكن تفعيلها فهناك تكامل وانسجام بين الجنسين لكن لا يمكن الحديث عن مساواة تامة ومطلقة لان المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة من شانها أن تضر المرأة على حد تعبيره. فعلى سبيل المثال فان الرجل مطالب بالإنفاق ومع تطبيق مبدأ المساواة فان المرأة ستصبح ايضا مطالبة بالإنفاق وبالتالي فان الذمّة المالية للمرأة من شانها أن تتضرر علما انها ليست مطالبة بالإنفاق. أمّا فيما يتعلق بالمساواة في الميراث فقد اعتبر المتحدث أن الله تعالى تولّى تقسيم التركة بين الناس كما أن النص القرآني واضح وصريح في أحكامه وفيه إعلاء لقيمة المرأة. لكن في المقابل تعتبر بعض الأطراف أن تجاوز جميع إشكاليات المرأة هو رهين تفعيل هذه المسالة حيث أوردت درّة محفوظ أستاذة في علم الاجتماع في تصريح ل»الصباح» أن مسالة المساواة في الميراث تعتبر في صلب حاجيات المجتمع، حيث أننا نلاحظ أن المرأة تساهم من خلال عملها في إنتاج الثروات سواء كان في العمل او في الشارع أو في الحقول الريفية. ومن هذا المنطلق وجب الأخذ بعين الاعتبار ظروف المرأة الريفية ومراعاتها اثناء عملية توزيع الإرث حتى يتسنى الاعتراف بجهودها وقالت في هذا السياق:»لو كان على سبيل المثال للمرأة الريفيّة ارث ما تسنى لها التمتع بقروض بنكية أو بعث مشروع تجاري خاص بها». وأضافت محفوظ انه بعيدا عن المرأة الريفية فان المرأة العاملة في المدينة أو في الوظيفة العمومية تساهم تقريبا ب40 بالمائة من ميزانية العائلة مشيرة في السياق ذاته الى أنها تعتبر أن الوقت قد حان للخوض في مسالة المساواة في الإرث بين الجنسين وبما أن المرأة مجبورة اليوم بالقانون الجديد في المساهمة مع زوجها في مصاريف البيت فانه لابد لها أن ترث. حوار رصين تجدر الإشارة الى أن الكريديف قد نظم أمس بدعم من مؤسسة «فريديريتش ايبرت» ندوة علمية حول موضوع: «المساواة في الميراث: بين القراءة المتجدّدة للنّص الدّيني والتّحولات المجتمعيّة» بحضور ثلة من المفكرين على غرار الباحثة والكاتبة ألفة يوسف التي تولت افتتاح اللقاء حيث اعتبرت انه قد آن الأوان للنظر بعمق وفتح حوار رصين في مسألة المساواة في الميراث موضحة أنه لا يوجد دليل واضح ومحدد في النص الديني يمنع المساواة. مشددة في السياق ذاته على أهمية الخوض في مختلف المسائل الدينية حتى تلك التي اعتبرت سابقا من المسلمّات على غرار مسألة الرق التي قيل إن النص الديني كان صريحا في شأنها إلا أنه تم تجاوزها على حد قولها.. واعتبرت الباحثة أنّنا اليوم إزاء مرحلة فارقة تستوجب الابتعاد عن التشنج وطرح الأسئلة التالية: هل نريد تطبيقا حقيقيا للدين أم نريد قراءة أخلاقية عميقة تحقق المحبة والمساواة قدر الإمكان.