في سبتمبر2017، عدد يوسف الشاهد الاهداف التي تسعى حكومته لتحقيقها وهي الحفاظ على مستوى مقبول من العجز العمومي والخارجي، التحكم في نسبة التضخم، التقليص تدريجيا في عجز ميزانية الدولة الى حدود3 %، العمل على استقرار نسبة المديونية، التحكم في كتلة الاجور من40 % الى15 % واخيرا بلوغ نسبة نمو تقدر ب5 %سنة2020. هذا البرنامج الطموح يتطلب توفير الاستقرار الاجتماعي عبر بعث مشاريع ذات طاقة تشغيلية هامة واستجلاب استثمارات في قطاعات غير تقليدية. ويبدو ان اهداف الحكومة الحالية قد تقاطعت مع سعي عالمي محموم لبعث ميناء مياه عميقة في بنزرت قد يمثل بلسما لأمراض الاقتصاد الوطن. موقع بنزرت الاستراتيجي تحتل بنزرت موقعا استراتيجيا في قلب المتوسط وهي مؤهلة جغرافيا بشهادة اقصى نقطة في افريقيا وتاريخيا تأسيا بالبونقيين والرومان لتكون محطة بحرية لآلاف البواخر عند غدوها ورواحها الى موانئ ايطاليا كبالارمو التي لا تبعد عن بنزرت سوى137ميلابحريا, او الموانئ الفرنسية في كورسيكا284 ميلا ومرسيليا 417 ميلا وطولون 395 ميلا.. وقد يمكن الاستثمار الصيني او الامريكي من تكوين احواض قادرة على استقبال ناقلات أو بواخر عملاقة في طريقها إلى الشرق الادنى، الأوسط والاقصى عبر قناة السويس المصرية ويمكن لمغادري بنزرت الى بحر الشمال التوقف في ميناء روستوك التي تربطها ببنزرت اتفاقية توأمة مستوفاة الشروط.. تقرير سملر رغم مزايا الجغرافيا والتاريخ ورغم تأكيد الخبراء الاجانب على حتمية احداث ميناء مياه عميقة في بنزرت فان الطبقة الاقتصادية والسياسية التونسية تبدو عاجزة عن فتح باب العروض لإنشائه.. لكن ما ورد يوم 13 مارس الجاري في موقع»اسيا تايمز» المختص في التقارير الاقتصادية والذي يتعامل انطلاقا من هونغ كونغ مع عشرات الخبراء العالميين قد يحسم الجدل نهائيا ويجبر صانعي القرار المحليين على اغتنام فرصة النزاع الصيني- الامريكي على المنطقة التونسية الاستراتيجية الموجودة في قلب البحر الابيض المتوسط لاستجلاب افضل العروض لإحداث ميناء المياه العميقة وفق لزمة واضحة تضمن سيادة التونسيين على مياههم الاقليمية. ويستمد التقرير قيمته من قرب كاتبه بيتر سملر من دوائر صنع القرار الاقتصادي العالمي؛ فهو مؤسس مجموعة كابتال انتليجنس «والمدير السابق لمكتب صحيفة فينشيال تايمز» في وشنطن والمساهم في عشرات الدراسات الاقتصادية لفائدة الكونغرس ومجلس الشيوخ في الولاياتالمتحدةالامريكية... يقول سملر في تقريره ان الصراع قد استعر بين الولاياتالمتحدةالامريكية وجمهورية الصين الشعبية على احقية انشاء وتسيير ميناء المياه العميقة في بنزرت المرشح ليكون عصب التجارة المتوسطية والعالمية في العقود المقبلة وحلقة الربط الاساسية بين شبكة الالياف البصرية التي تصل الولاياتالمتحدة بأوروبا وكامل الشرق الاوسط وهي مستقبل شبكة الاتصالات العالمية. الولاياتالمتحدة تناور وحسب نفس المصدر فان الادارة الامريكية مهتمة بالاستثمار في بالبلاد التونسية عموما وجهة بنزرت خاصة لأهميتها الاسترتيجية، حرص تجسم في تقديم شركة»بكتل»تصورا لإنشاء الميناء في سنة 2012 ثم اعلان الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما ان تونس الحليف الاستراتيجي الاول من الدول غير المنتمية لحلف الناتو بمناسبة زيارة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الى واشنطن في 21 ماي 2015.. لكن هذا الامتياز لم يشفع لبلادنا ففي 29 سبتمبر 2015 اصدرت الخارجية الامريكية تحذيرا من السفر الى تونس مما قلص الى حد كبير النشاط الاقتصادي المباشر وجمّد نوايا الاستثمار الامريكي في تونس وفسح بالتالي المجال لقوى عالمية اخرى. التنين الصيني على الخط مباشرة اثر الحظر الأمريكي كشفت الشركة الصينية ياوندا للاستثمار المالي والتجاري عن نيتها احداث ميناء مياه عميقة في بنزرت وراسلت في 9 ماي 2016 تحالف(بعث ميناء بنزرت)الذي كونه عدد من رجال الاعمال وبعض الاكاديميين وممثلو المجتمع المدني الذي سعوا لجلب مستثمرين اجانب غير تقليديين الى الجهة.. وحسب الخطاب الذي انفردت حينها «الصباح» بنشره فان الصينيين يفكرون جديا في احداث الميناء ببنزرت ويرغبون في الحصول على نسخ من دراسات جدوى المشروع قبل الانطلاق في المرحلة العملية.. وضعية جديدة دفعت سملر للقول بان»ميناء بنزرت اصبح مسرح تنافس واضح بين الولاياتالمتحدةوالصين مما دفع الرئيس دونالد ترامب– للتأكيد على ضرورة تواصل القيادة الجيوسياسية للولايات المتحدة في العالم والتصدي لمبادرة - الطريق والحزام - التي مكنت الصين من استغلال موانئ حساسة من الناحية الاستراتيجية مثل جيبوتي في القرن الأفريقي وبيرايوس في اليونان الدولة العضو في حلف الناتو. وقد اثار نجاح المحاولات الصينية قلق برندان بكتل المدير التنفيدي لمجموعة»بكتل» المتخصصة في الانشاءات الضخمة الذي صرح في ملتقى مركز الدراسات الاستراتيجية الدولي بان الشركات الامريكية اصبحت فعليا غير قادرة على منافسة نظيرتها الصينية المدعومة من الدولة. هل نغتنم الفرصة؟ لمزيد التحري حول الموضوع التقت «الصباح» النائب عن ولاية بنزرت علي بالأخوة الذي يطالب منذ سنوات بإحداث ميناء المياء العميقة في الجهة بل اعتبره في تصريحات اعلامية وجلسات برلمانية سابقة لتقرير سملر قاطرة النمو الاقتصادي الممكنة لكل البلاد.. بالأخوة استغرب ما ورد في التقرير حول تضخيم صراع عالمي وتنافس حاد بين قوى اقتصادية عملاقة لإحداث ميناء مياه عميقة في بنزرت رغم علمه بوجود دراسات حول الموضوع انطلقت سنة1891 على يد خبراء المستعمر الفرنسي وبعد الاستقلال تم احداثها سنة 1984 لفائدة اكبر ناقل بحري عالمي. في سنة 1995 ظهرت دراسة لإنجاز ميناء ضخم للحاويات ببنزرت قام بها مكتب الدراسات الأمريكي"MOFFAT &NICHOL INTERNATIONAL"وهو ممول من طرف ديوان الموانئ التونسية وتلته عديد الدراسات سنة 2003 لفائدة الوكالة الامريكية للتجارة والتنمية فرابعة سنة 2005 اطرتها الشركة الدولية للهندسة ومرافقة المشاريع Royal Haskoning ثم خامسة لفائدة «بكتل» الامريكية سنة2012 وبعدها بسنة شركة MSC International Maritime Studies-Shipping and Logistics واخيرا لفائدة الصينيين صانعي طريق الحرير Development of deepwater port in Bizerte -China's 21st Century Maritime Silk Road لكن بالأخوة نبه الى»ضرورة المحافظة على سيادة الدولة على اراضيها ومياهها الاقليمية عند عقد اي اتفاق لإنشاء ميناء المياه العميقة الذي لن يكلف تونس شيئا ولن تحتاج الحكومة للبحث عن بنك للتمويل بل عليها توفير الفضاء المناسب للمشروع واختيار العارض الافضل من بين شركات «ايدوم» الاسبانية،«مارسك» الفلندية، «سما س ج م»الفرنسية، مواني دبي الاماراتية، «كايد» الصينية و»م س س» و«بتكل» الامريكيتين وغيرها ممن ابدت رغبتها سابقا في التمويل والمساهمة في المشروع في إطارBOT يمتد على فترة تتراوح بين 20 و30 سنة ثمّ ترجع ملكية الميناء للدولة التونسية.. وحول استقلالية القرار التونسي في المنطقة المينائية وحتمية المفاضلة بين العروض العالمية اكد النائب»ان كل الاتفاقيات التي تعقدها الحكومة يتم عرضها على مجلس الشعب للمصادقة وحينها سيتم اختيار العرض الافضل لان السلطة التشريعية تسهر على حسن تطبيق الدستور والمحافظة على سيادة الجمهورية التونسية على حدودها البحرية والبرية مع دعمها المتواصل للمشاريع ذات الطاقة التشغيلية العالية كميناء المياه العميقة مضيفا إن قرب بنزرت من اقليم تونس الكبرى وتوسطها كل ولايات الشمال سيجعل لهذا المشروع انعكاسات إيجابية اقتصادية واجتماعية بصفة غير مباشرة على اكثر من 4 مليون مواطن تونسي.