تفتتح اليوم 22 مارس 2018 الدورة الأولى من أيام قرطاج الشعرية تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية وإدارة الشاعرة جميلة الماجري ويحضرها عدد كبير من الضيوف العرب والأجانب والشعراء والنقاد والمثقفين التونسيين، بعضهم لقراءة قصائدهم وبعضهم الآخر للإدلاء بآرائهم حول مواضيع «الشعر وسؤال الكونية» و»الشعر وسؤال الترجمة» و»الشعر ومصاعب النشر». وتنطلق هذه الدورة التأسيسية وسط استبشار وتهليل الكثير من الشعراء والمثقفين التونسيين والعرب.. استبشار يشوبه بعض اللوم عن عدم تمكين عدد من الشعراء من المشاركة في الأمسيات الشعرية وتشكيك البعض الآخر في أحقية هيئة المهرجان وقدرتها على إدارته، وهو ما أجابت عنه مديرة أيام قرطاج الشعرية الشاعرة جميلة الماجري حين أشارت إلى أنها دورة أولى ستتبعها دورات كثيرة وسيحضر فيها من لم يشاركوا في هذه الدورة لأنها لا يمكن أن تستوعب كل الشعراء التونسيين خاصة وان الحركة الشعرية في تونس متطورة جدا قائلة: «ونحن لا نرى انه في المشهد الشعري التونسي من لا يستحق المشاركة وإنما كان لا بد من الاكتفاء بهذا العدد وهو كبير جدا تقريبا 60 شاعرا سيقرؤون في أمسيات مدينة الثقافة إضافة إلى 300 سيشاركون في الجهات وعدد كبير من الضيوف». الاهتمام بالقصة والشعر سيرفع عنهما الضيم وفي هذا الإطار التقت «الصباح» مع الشاعر الهادي الخضراوي الذي صرح لنا بان: «أيام قرطاج الشعرية لفنون الفرجة مثل المسرح والسينما والغناء والموسيقى والرقص مهرجاناتها العريقة في بلادنا وفي عدة بلدان عربية أخرى ولعل العراق كانت الأكثر اهتماما بالشعر العربي على نطاق واسع (مهرجان المربد) لأسباب سياسية معلومة ثم تلت المربد مدن عربية أخرى في الاهتمام بالشعر مثل دمشق والرقة والخرطوم والأقصر والقيروان والمهدية والكويت وأبوظبي والشارقة (التي أصبح مهرجانها الشعري من أكثر المناسبات الشعرية جلبا للشعراء العرب وكان مهرجانا قرطاج في تونس ومهرجان جرش في الأردن يستحدثان بعض الأمسيات المخصصة للشعر تتخلل أمسياتهما الفنية.» ورأى الشاعر الهادي الخضراوي أن إقامة مهرجان للشعر في تونس بداية من هذه السنة ذي بعد عربي شامل خطوة ذات بال يمكنها أن ترتفع بالشعر العربي وتمنحه الإضافة النوعية (من خلال إبراز مستجدّ الإنتاج الشعري العربي وإتاحة الفرصة للمقارنة بين مختلف الأعمال المشاركة وربط الصلات بين الشعراء) لكنها خطوة يمكنها من ناحية أخرى أيضا أن تسيء إليه وتشتت أهله وتزيد في إضرام الخصومات بينهم.. ولكن المهم أن تكون هناك موضوعية وحياد في اختيار المشاركين من قبل الهيئة المنظمة كما أنه مطلوب أيضا من الشعراء أن يراعوا تجارب بعضهم وأن يضعوا في اعتبارهم أيضا أن المهرجان دوري وليس بيضة ديك وأن من يحضر في هذه الدورة يمكن أن يأتي دوره في دورة أخرى. وفي خصوص سؤال العلاقة بين سائر الأصناف الأدبية فقد رأى الهادي الخضراوي انه توجد نزعة إلى التلاقح والتلاقي ولئن طغت الرواية اليوم فذلك لدواع عدّة تتعلق بالنشر والدعاية والجوائز واهتمام السينما بها وغير ذلك لكن الاهتمام المتزايد بالشعر والقصة القصيرة في العالم العربي وحتى على مستوى جائزة نوبل (في السنوات القليلة الأخيرة منحت جائزة نوبل للشاعر السويدي توماس تروماستر وكاتبة القصة القصيرة الكندية اليس مانرو) أمر من شأنه أن يرفع الضيم عن هاذين الصنفين من الأدب أيضا. الأيام هي حلم أجيال التسعينات وللشاعر والمترجم جمال الجلاصي رأيه الخاص في شان هذا المهرجان حيث صرح ل«الصباح» بأنه لا يجب أن ننسى انه حلم الأجيال منذ بداية تسعينيات القرن الماضي نادت به رابطة الكتاب الأحرار ورابطة الأدباء الشبان واتحاد الكتاب التونسيين ونقابة كتاب تونس في بيانها التأسيسي وكان على وزارة الشؤون الثقافية ان تمنح إدارة المهرجان لمن حلموا به والأسماء كثيرة وقال: «ومع احترامنا للشاعرة جميلة الماجري وللدكتور عادل خذر أرى أنهما ليسا مطلعين بما فيه الكفاية على عمق الساحة الشعرية في تونس لكن وعلى كل حال نحن ننتظر مزيد إشعاع الشعر التونسي والعربي والتأكيد على احترام الذات الشاعرة عبر تخصيص فضاءات تليق بالشعر دون تمييز بين الأسماء الشعرية وبين المدارس الشعرية واعتقد أن فكرة إقامة أمسيات شعرية في الجهات هي تكريس لمبدأ التفاضل بين الشعراء فشعراء الجهات يقرؤون في جهاتهم ولا أرى إضافة تقدمها لهم الأيام بجمعهم في أمسية أخرى في جهاتهم وأمام جمهورهم». وفي خصوص سؤال الشعر والترجمة فقد أفادنا الشاعر والمترجم جمال الجلاصي بان الأسماء المشاركة في الندوة قيمة لمترجمين أضافوا للمكتبة الشعرية العربية مدونة ضخمة وهامة من شعراء العالم وتناول مسالة صعوبة ترجمة الشعر تمثل سؤالا حارقا للمترجم وللقارئ ولعل أسماء مثل كاظم جهاد ورفعت سلام وغيرهما من المشاركين قادرة على تقديم إجابات قد تطفئ ظمأ الباحثين عن جواب. «الصباح» تحدثت مع الشاعر جمال الجلاصي أيضا عن صعوبة نشر الشعر فأكد لنا أن الصعوبات موجودة وقال: «في الحقيقة الناشر صاحب مشروع تجاري بالأساس يبحث عن «سلعة» سهلة التسويق ونحن نعرف أن العصر عصر الرواية ولهذا نجد سهولة في نشرها مقارنة بالدواوين الشعرية والصعوبات تطال خاصة الأسماء الجديدة غير المكرمة إعلاميا. ووضح قائلا: «وهنا يأتي دور الإعلام الثقافي وضرورة إعادة الاعتبار للصفحات الإبداعية التي كانت منبرا لأجيال كثيرة من الشعراء وخاصة جيل التسعينات الذي نشر معظم المنتسبين له في الصفحات الإبداعية للصحف التونسية والعربية». لتجاور الفنون في مدينة الثقافة مستقبلا انعكاسات إيجابية حضور اتحاد الكتاب التونسيين في الدورة الأولى لأيام قرطاج الشعرية سيكون من خلال مشاركة أعضائه في الأمسيات الشعرية والندوات الفكرية ضمن برنامج هذه الدورة. وقد نسقت المندوبيات الجهوية للثقافة الأمسيات التي ستنتظم في مختلف المدن مع فروع الاتحاد الموجودة في جميع الولايات. هذا ما صرح به صلاح الدين الحمادي رئيس اتحاد الكتاب التونسيين ل"الصباح" وأضاف: «عدا هذا نحن لسنا طرفا تنظيميا في هذه التظاهرة ولسنا أيضا عضوا في الهيئة المديرة لأيام قرطاج الشعرية. لقد أسعدنا فعلا استجابة وزارة الشؤون الثقافية للدعوات المتكررة على مدى سنوات طويلة لتنظيم هذه الأيام. ونحن بهذه المناسبة نشكر الدكتور محمد زين العابدين على مبادرته بتأسيس هذا المهرجان الشعري الكبير الذي سيكون له شرف تدشين الفعاليات الثقافية في مدينة الثقافة هذا الصرح الثقافي الكبير الذي يعلق عليه المشتغلون في الحقل الثقافي والمنشغلون بهمه، آمالا كبيرة. المهم في نظرنا أن هذه التظاهرة قد تأسست وعلى الجميع أن يضطلعوا بمهمة تكريسها في المشهد الثقافي، والانكباب على تطويرها. لأن ذلك سيعود بالتأكيد بفوائد جمّة على الشعراء والنقاد والفنانين وعلى المتلقي للكلمة الشعرية بشكل عام. إنها مناسبة لتكريس الشعر باعتباره فنا عظيم الشأن ليس لدى العرب فقط بل لدى الإنسان أينما وجد». وفي خصوص سؤال تراشح الفنون ومدى استفادة الشعر منها أشار رئيس اتحاد الكتاب التونسيين صلاح الدين الحمادي إلى انه من المؤكد أن الفنون تنهل من نفس المنهل الإنساني، وهو ما يجعلها في علاقة تواشج وتكامل. والشعر يظل في حاجة دائما إلى الاستفادة من ممكنات الإضافة في المستوى الفني التي يمكن أن توفره له بقية الفنون. في إحدى حواراته نصح الكاتب العالمي أرنست همنغواي الأدباء الشبان بتأمل اللوحات التشكيلة لتطوير مواهبهم. وكم من شاعر أسرّ لي بأنه استلهم قصيدته من فيلم... وهلم جرا.. هذا ما سيجعل لتجاور الفنون في مدينة الثقافة مستقبلا انعكاسات إيجابية ستعود بالفائدة على تطورها وازدهارها بما يضمن مزيد إشعاع ثقافتنا التونسية الأصيلة في الداخل والخارج.