بقدر ما يبدو مصطلح "التنمية المستدامة" متداولا اعلاميا وسياسيا،بقدر ما يلتبس هذا المفهوم عندما يقترن بالممارسة الاعلامية أو بتحقيق أهداف هذه التنمية المستدامة التي باتت اليوم مطلبا أمميا بالنظر لأهميتها في تحقيق احتياجات الحاضر من نمو اقتصادي وقي اجتماعي وعدل ومساواة على أساس المواطنة،دون مساس بحقوق الأجيال القادمة. وترتبط عملية التنمية المستدامة أساسا بكل عملية تطوير وتحسين لظروف المعيشة لجميع الأفراد في مختلف المجتمعات وذلك في ثلاثة مجالات رئيسية أساسية وهي تحقيق النمو الاقتصادي وحفظ الموارد الطبيعية والبيئة والتنمية الاجتماعية ومن أهم التحديات التي تواجهها التنمية المستدامة هي القضاء على الفقر من خلال التشجيع على أنماط انتاج واستهلاك متوازنة ودون افراط في الاعتماد على الموارد الطبيعية،وكذلك تحقيق الرخاء الاقتصادي والنماء الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة على أساس قيم المواطنة. واذا كان مصطلح "التنمية المستدامة" في السياق التونسي،مصطلحا يبدو متداولا منذ ما قبل الثورة،بل لقد أصبح في السنوات الأخيرة لحكم بن علي، شعارا مركزيا،في كل عملية تسويق لنظامه السياسي.. لكن اليوم في تونس لم تعد التنمية المستدامة مجرّد شعار فضفاض بل باتت واقعا تشريعيا نصّ عليه الدستور الجديد عندما أقرّ التمييز الايجابي لصالح المناطق الداخلية عندما نصّ على المساواة وعلى الحق في الصحّة وفي السكن وفي البيئة لكل التونسيين.. والحكومة التونسية كانت من بين الحكومات التي وافقت وتبنت وثيقة الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في شهر سبتمبر 2015 التي حملت عنوان "تحويل عالمنا:خطة التنمية المستدامة لعام 2030" والى جانب هذا التبنّي الحكومي فان –تحويل تونس وفق خطّة تنمية مستدامة تصل الى أفق 2030 –يتطلّب آليات لتكريس وتجذير هذه الخطّة في بعدها التونسي ومن أبرز آليات ذلك نجد الاعلام والمجتمع المدني،وقد استعرض تقرير مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث كوثر في "تنمية المرأة العربية 2017" تفاصيل حول المرأة العربية وخطّة التنمية 2030 من خلال الاعلام المحلّي وكذلك المجتمع المدني. "الصحافة والمواطنة توأم الديمقراطية" تتنوّع وسائل الاعلام في تونس بين اعلام عمومي واعلام خاصّ واعلام جمعياتي بالاضافة الى ما يسمّى ب"الميديا الاجتماعية" من خلال مواقع الواب ووسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تنافس الاعلام التقليدي في استقطاب المهتمين والمتابعين ويعد المشهد الإعلامي حاليا أكثر من 35 محطة إذاعية جمعياتية، تحصلت 10 منها على إجازات بث من قبل الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي والبصري بعد أن استجابت لكراسات الشروط، في حين تواصل العديد من المؤسسات الأخرى نشاطها بشكل عشوائي إلى جانب العشرات من الإذاعات على الواب، المتواجدة بدور الشباب والثقافة. وحسب تقرير "تنمية المرأة العربية 2017" فانه بات للاعلام اليوم مسؤولية اجتماعية في اعطاء المعني من خلال معالجة هدف أو المناصرة لقيمة ما،بما يجعل الاعلامي فاعلا اجتماعيا قادر على التأثير والتوجيه،وقد لعب الإعلام الوطني في عدة قضايا وطنية خاصّة تلك المتعلقّة بالحريات كما حصل مع الفصل السادس من الدستور دورا محوريا في الضغط الايجابي وفي الانحياز لمبدإ الحرّيات واليوم مع انتهاء أشغال لجنة الحريات الفردية والمساواة عاد الاعلام الوطني للعب نفس الدور الايجابي،تأكيدا لما ورد في التقرير من كون "الصحافة والمواطنة هما توأم الديمقراطية". روح جديدة في الاعلام بات الاعلام الجمعياتي اليوم عنوانا متفرّدا في المشهد الاعلامي،هذا الاعلام المتخصّص والمحلّي وغير الربحي والذي يسعى لتحقيق الصالح العام من خلال اعلام قرب يستجيب للحاجيات المحلية للأفراد ويبرز الخصوصيات الجهوية والمحلية بات مؤثرا وفاعلا في المشهد الاعلامي ككل. وقد بين تقرير الإعلام الاجتماعي العربي لسنة 2017 هذا التطوّر الذي شهده هذا الاعلام حيث ذكر التقرير "أنه مع حلول 2017، وصلت نسبة مستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعي في المنطقة العربية إلى 39% من السكان، مع استمرار سيطرة قطاع الشباب بنسبة 64%. كما بات لمنصات الإعلام الاجتماعي دور هام في حياة المواطن العربي،إذ أعرب 58% من المستخدمين لمنصات الإعلام الاجتماعي للتعبير عن الشعور والآراء حيال السياسات الحكومية أو الخدمات" وهذا الاعلام الذي وجد فيه المتابع في تونس أو في الوطن العربي ضالته فرض على وسائل اعلام تقليدية تجربة "اعلام القرب" وقد تناول التقرير في ما يخصّ تونس تجربة قناة نسمة على مستوى الجهات باعتبارها قناة خاصّة وكذلك تناول تجربة اذاعة تطاوين باعتبارها مؤسسة عمومية لها صبغة جهوية وتتوجّه الى "جمهور الأعماق". ويرى تقرير المرأة العربية لسنة 2017 أنه تم استعمال "الصحف والإذاعات الجهوية على امتداد سنوات طويلة كأداة دعائية بيد السلطة القائمة.. كما أن المؤسسات الإعلامية بفروعها الجهوية يفتقر التواصل معها إلى الانتظام والعمق إذ تغلب الممارسة المركزية والاهتمامات العامة على الاعتبارات ذات البعد الجهوي " مضيفا أنه وفي شهادات وثقتها الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال أن الصحفيين العاملين في الجهات يتذمرون من "النظرة الدونية التى ترى فيهم "عجلة خامسة" إذ كثيرا ما تستعمل الأخبار المحلية لملء الفراغات في النشرات الإخبارية دون اعتراف مادي أو معنوي حقيقي بمجهودات العاملين في الجهات". الاّ أن التقرير أشار أيضا الى تغيّر "النظرة إلى مراسلي مؤسسات الإعلام المحلي باعتبارهم "صوت من لا صوت له" إلا أن موقعهم المهني بقي ضعيفا باعتبار أن انتدابهم لا يخضع إلى معايير مهنية..". ويكرّس اعلام القرب قيم التنمية المستدامة لأنه يكرّس قيم الدستور الجديد الذي أتى بالمساواة وبالتمييز الايجابي ونصّ على الحقوق والحريات وفي هذه الحالة يمارس اعلام القرب نوعا من الرقابة في حماية هذه الحقوق والحرية في تكريس التنمية المستدامة. منية العرفاوي