في جلسة عامة متعثرة خيم عليها القلق والشك والخوف من مزيد اثقال كاهل البلاد بالديون، صادق مجلس نواب الشعب أمس بصعوبة على مشروع القانون عدد 96 لسنة 2017 المتعلق بالموافقة على عقد القرض المبرم بتاريخ 25 سبتمبر 2017 بين الجمهورية التونسية والمؤسسة الألمانية للقروض من أجل إعادة الإعمار لتمويل برنامج دعم الإصلاحات في قطاع المياه بمبلغ قدره 100 مليون اورو أي ما يعادل 290 مليون دينار.. اذ صوت 78 نائبا فقط لفائدة هذا المشروع، وكان عدد المعترضين عليه 12 وعدد المحتفظين بأصواتهم 19. وعبر كل النواب دون استثناء عن أملهم في ان يقع صرف هذا المبلغ فعلا لدعم الاصلاحات في قطاع المياه، وشكك العديد منهم في ذلك، وقالوا انه كان جديرا بالحكومة مصارحتهم والاعتراف بأن هذا القرض سيخصص لتمويل العجز المسجل في ميزانية الدولة لا لإصلاح قطاع المياه وذهب احد النواب الى تقديم مقترح لتعديل عنوان مشروع القانون ليصبح مشروع قرض لدعم الميزانية. ولئن تم سحب هذا المقترح ولم يقع عرضه على التصويت، فانه كشف وجود شكوك في سبب الحصول على هذا القرض.. شكوك عمقتها العبارات الفضفاضة الواردة في وثيقة شرح الأسباب من قبيل «تركيز منظومة متابعة وتقييم المشاريع الاستثمارية منظومة انجاز واحداث لجنة قيادة لمتابعة المشاريع المنجزة في اطار برنامج التصرف المندمج في الموارد المائية الخ».. الجلسة العامة شهدت ارتباكا في أشغالها ولخبطة كبيرة أدت الى تندر النائب فيصل التبني بما يحدث تحت قبة البرلمان حتى انه قال ان المجلس فقد شرعيته واصبح عبئا على الشعب ويجب ايقافه فورا .. اذ انطلقت أشغال الجلسة العامة بعد تأخير تجاوز الساعة والنصف بحضور وزير التنمية والتعاون الدولي والاستثمار الخارجي زياد العذاري رغم ان موضوع المشروع يتعلق بقطاع المياه، وبعد الشروع في النقاش العام تبين لرئاسة الجلسة أن الوزير على عجل ويرغب في الالتحاق بالاجتماع السنوي لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية المنعقد في قمرت ولا يليق أن يتأخر عن ضيوف تونس ولا يعرف ايضا متى يمكنه العودة وأمام هذا المأزق رفع عبد الفتاح مورو نائب رئيس مجلس نواب الشعب الجلسة العامة نحو الساعة وعند استئنافها فوجئ النواب بحلول ركب كاتب الدولة للموارد المائية والصيد البحري الذي حل محل الوزير المغادر. خلال نقاش مشروع القرض قالت عبير عبدلي النائبة عن النداء انها تتمنى ان يتم توجيه امواله لتوفير الماء الصالح للشرب لمتساكني الأرياف والمناطق النائية. ودعت الحكومة الى التسريع في تمرير مشروع مجلة المياه على مجلس نواب الشعب بما يسمح بتحسين أداء الجمعيات المائية وتجاوز المشاكل العلائقية بين هذه الجمعيات والشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه. ولاحظت ان هناك جمعيات مائية تتعمد قطع الماء على «دشرة» او «دوار» بسبب خصومات شخصية، واستحسنت مشروع تحلية مياه البحر ودعت الى تحسين نوعية المياه بالمناطق الداخلية. لا للتداين مرة اخرى أطلق النائب عن الحرة لحركة مشروع تونس مروان فلفال صرخة فزع للتعبير عن رفضه المضي في سياسة التداين ونبه النواب الى انه تمت المصادقة الى حد الآن على 73 قرضا بقيمة 28 الف مليار وذكر أن الحكومات التسع المتعاقبة خلال السنوات السبع الماضية قامت بتدمير ممنهج لكل مقدرات الدولة الوطنية ولم تلتفت للأولويات، واهمها القدرة الشرائية للمواطن التي اصبحت في حالة يرثى لها ثم الاقتصاد الموازي الذي ينهش تونس والذي تغول على الدولة الى درجة انها أصبحت «دولة الكناترية» اما الاولوية الثالثة التي لم تلتفت اليها الحكومات المتعاقبة فهي التحكم في الدين العمومي.. وقال فلفال انه عندما يرى اصلاحات حقيقية في البلاد سيصادق على القرض لكنه اليوم لن يصادق وهو يعتبر المشاركة في مسلسل التداين غير المسؤول جريمة .. وفي نفس السياق ندد الجيلاني الهامي النائب عن الجبهة الشعبية بمواصلة التداين وقال ان هذا القرض قيمته تناهز 300 مليار لكنه عندما يقرأ الاصلاحات المتمثلة في التصرف حسب الاهداف في ميزانية وزارة الفلاحة وتكوين اطارات في هذا المجال وتركيز منظومة متابعة وتقييم المشاريع الاستثمارية واحداث لجنة قيادة لمتابعة المشاريع المنجزة يدرك ان الحكومة استعملت الغش في هذا القرض، فالهدف الحقيقي منه هو تمويل عجز الميزانية لا تغطية مصاريف الاصلاحات في قطاع المياه.. وعبر عن اسفه لان تونس بكل جهاتها اصبحت تعاني من العطش. وذكر رضا الدلاعي النائب عن الديمقراطية أن هناك اشكاليات حقيقية في منظومة الجمعيات المائية تعود للمديونية ونقص الصيانة وضعف قدرات الموارد البشرية وذكر ان اولويات الاصلاح المشار اليها في مشروع القانون غير كافية اذ لم يقع التنصيص على تعميم الربط بالمياه الصالحة للشرب وتوفير الصيانة للشبكات وتحسين قدرات الجمعيات المائية. وأضاف ان العائلات التي تقطن قرب السدود وهي عطشى لا تتفهم العوائق التي تحول دون تمكينها من الماء. وبينت سعاد الزوالي النائبة عن الكتلة الوطنية انها ترغب في صرف القرض لفائدة المنظومة المائية وليس لأغراض اخرى لان هذه المنظومة تعاني من عدم التنسيق بين الهياكل المعنية بالمياه وضعف الاستثمارات المخصصة للمشاريع المائية وطالبت بالتسريع في استكمال مشروع مجلة المياه وبالاستفادة من المياه المستعملة . وقال طارق الفتيتي النائب عن الاتحاد الوطني الحر إن القرض أمره غريب ومشروع القانون فضيحة تتحملها الحكومة لأنها لم تصارح الشعب بأن 300 مليار ليست موجهة لقطاع الماء بل لدعم الميزانية وتتحملها لجنة المالية التي ناقشته في اقل من خمس دقائق وتعاطت معه على أساس «كعور وأعطي للأعور».. مجلة المياه في رده على مداخلات النواب بين عبد الله الرابحي كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري المكلف بالموارد المائية والصيد البحري ان ميزانية قطاع المياه تفوق 4000 مليار، ومبلغ القرض المقدر بنحو 300 مليار لا تعني الكثير امام الدعم الذي ترصده الدولة لقطاع المياه لكن هذا المبلغ غير كاف. وذكر كاتب الدولة أنه لا بد من المحافظة على المياه من الانتهاكات والاستنزاف من خلال تنفيذ الاصلاحات وتطبيق القانون كما يجب مواصلة تعبئة الموارد في السدود وانشاء محطات تحلية ومواصلة الحفريات. وقال الرابحي ان هناك جملة من الاصلاحات الكبرى اولها مجلة المياه وهي تقريبا جاهزة وتم عرضها على جلسة اولى في مجلس الوزراء وسيقع تقديمها عما قريب الى مجلس النواب وهي تضمن سبعة ابواب يتعلق احدها بالمجامع المائية وعدد كاتب الدولة الاصلاحات التي ستشهدها هذه المجامع بناء على ما جاء في مشروع المجلة. وبخصوص مشاريع تحلية المياه ذكر ان تكوين محطات تحلية سيساعد على تجاوز اشكاليات نقص المياه، وفي ما يتعلق بنوعية المياه بين كاتب الدولة ان هناك حرصا على توفير مياه لكل الولايات بنفس النوعية. المؤسسات الناشئة بعد المصادقة على مشروع القرض ناقش النواب مشروع القانون عدد 3 لسنة 2018 المتعلق بالمؤسسات الناشئة وعبر العديد منهم عن املهم في ان يساهم هذا المشروع في ارجاع الامل للشباب المبادر وطالبوا الادارة بتسهيل اجراءات بعث المشاريع المجددة.. وكشف نقاش هذا المشروع بحضور انور معروف وزير تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي المحسوب عن حركة النهضة، كشف صراعا خفيا بين نواب النهضة ونواب نداء تونس تبلور بوضوح في المناوشة التي حصلت بين النائب عن النداء رمزي خميس والنائب عن النهضة محمد محجوب، اذ انتقد خميس في كلمته الوزير بشدة وقال بعد ان لوح بان كتلته لن تصوت للمرور الى النظر في فصوله الى حين ارجاعه الى لجنة المالية، ان الوزير يعمل على تعطيل السير الطبيعي للمؤسسات التي تعمل تحت إشراف الوزارة، وان من يمنح الولاء والطاعة لهذا الوزير يكون من المقربين منه والمبجلين واصحاب الحظوة ورد عليه النائب محمد محجوب بالقول انه من سخرية القدر ان من اسس للتعيينات بالولاءات والقرابة وتمعش منها طيلة ستين سنة جاء اليوم لينهي عن المنكر وليقول ان التعيينات تتم بالولاءات ودعاه الى احترام عقول الشعب وقال «من منزله من البلور عليه الا يقصف الناس بالحجارة» وعقب عليه خميس ان رده هذا يؤكد ان الوزير مثلما له مليشيات داخل الوزارة له مليشيات في مجلس النواب.. وامام هذا الوضع عبر النائب عن الجبهة الشعبية شفيق العيادي عن خشيته من ان يصبح مشروع القانون مثل قميص عثمان كل يريد استعماله في الاستقطاب وأن يصبح تحت مرمى النيران الصديقة.. وفي رده بين انور معروف وزير تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي ان مشروع القانون يمكن ان يفتح بابا لمنوال تنموي جديد، وهو يقطع مع العقلية السائدة «مسمار في حيط وأنه لا يمكن اقامة مشروع الا بدفع رشوة» لأنه بمجرد فكرة وارتباط بشبكة الانترنيت يمكن خلق ثروة كبيرة.. وقال ان المصادقة على القانون هي بداية الطريق أمام الشباب،والشباب هو الذي في يده مفتاح النجاح.