يتوجّه التونسيون اليوم إلى مكاتب الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في أوّل انتخابات بلدية تشهدها البلاد منذ الاستقلال،وبعيدا عن مخاوف البعض من عزوف محتملا للناخبين أو توجّس البعض الآخر من النتائج السياسية لعمليات التصويت إلا أن هذه الانتخابات تبقى أمام التونسيين باختلاف آرائهم وتوجهاتهم الفكرية والإيديولوجية، فرصة تاريخية واستثنائية للتغيير ولتكريس الحكم المحلّي وترسيخ مبادئ اللامركزية التي ستساوي بين الجهات والأقاليم والمناطق وتُنهي بذلك عقودا من التهميش والتفاوت الجهوي و»التحيّز» السياسي لجهات دون أخرى. هذا «التحيّز» الذي غذّى الشعور بغياب العدالة الاجتماعية وغذّى كذلك الإحساس ب»الحقرة» كما غّذّى الشعور بالتهميش وعدم القدرة على التغيير أو التأثير وألقى بظلال ثقيلة على المناخ الاجتماعي وتسبّب في احتقانه. ورغم أن البعض قد يرى بأن الانتخابات البلدية مجرّد استحقاق انتخابي لا يختلف عن الاستحقاقات الانتخابية التي سبقته والتي لم تأت بالتغيير المأمول إلا أنه حتى وان عجزت الانتخابات السابقة عن افراز طبقة سياسية قادرة على التغيير وعلى كسب الرهانات وتجاوز التحديات فان الاستحقاق الانتخابي البلدي وانطلاقا من خصوصياته لا يمكن الحكم عليه بذات الحكم على الاستحقاقات الانتخابية الأخرى لاعتبارات موضوعية تتعلّق أساسا بطبيعة هذه الانتخابات وبأهدافها والنتائج التي ستترتّب عنها،التي لن تكتفي بجعل المواطن مستهلكا للديمقراطية بل صانعا للقرار المحلّي. أهمية الحكم المحلّي يعرّف الفصل الثاني من مجلّة الجماعات المحلية التي صادق عليها مجلس نواب الشعب منذ أيام قليلة الجماعات المحلّية التي هي جوهر الاستحقاق الانتخابي غدا، بأنها «الجماعات المحلية ذوات عمومية تتمتّع بالشخصية المعنوية والاستقلالية الإدارية والمالية وتتكوّن من بلديات وجهات وأقاليم يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية»، والمجالس البلدية التي تأتي على رأس هذه الجماعات المحلّية والتي ستصبح انطلاقا من الغد مجالس منتخبة تعبّر عن ارادة المواطنين محلّيا وجهويا،وتصوغ قراراتها انطلاقا من ارادة المواطنين الانتخابية،هذه القرارات المتعلّقة بتصريف كل الشؤون المحلّية للمواطنين. وتصريف الشأن اليومي للموطنين في مختلف البلديات يهمّ البنية التحتية مثل بناء واصلاح الطرقات والأرصفة التابعة للبلدية وكذلك تهيئة وصيانة الحدائق والمساحات الخضراء والسهر على رفع الفضلات المنزلية في الأوقات المحدّدة وعدم السماح بتكدّس أطنان النفايات المنزلية كما حدث في السنوات التي أعقبت الثورة. كما تعمل المجالس البلدية على عملية التنوير العمومي بالطرقات والساحات التابعة لها،بالاضافة الى انجاز الأسواق البلدية وتهيئتها وتمريمها ونفس الشيء بالنسبة للمسالخ ومراكز الاصطياف وفضاءات المعارض والتظاهرات التجارية والثقافية. كما تسهر المجالس البلدية على اعداد أمثلة التخطيط العمراني وتعمل على احترامها من المواطنين وتحرص على اتخاذ التراتيب المتعلّقة بالمحافظة على الخصوصيات المعمارية للمنطقة البلدية وتشرف كذلك على تسمية الأنهج والساحات والمركبات والحدائق البلدية.. ومن الأدوار المهمّة التي ستضطلع بها المجالس هو اعداد برنامج للاستثمار والتجهيز البلدي في حدود الامكانيات المالية المتاحة،بالنظر الى كون هذه المجالس ستتمتّع بالاستقلالية المالية وستفرد لها من ميزانية الدولة اعتمادات خاصّة بها وكذلك بالاستقلالية الادارية التي ستسمح لها باتخاذ مختلف القرارات في اطار الصلاحيات الآنف ذكرها. صلاحيات مشتركة مع السلط المركزية نصّت مجلّة الجماعات المحلية المصادق عليها منذ أيام أنه وفي إطار الديمقراطية التشاركية «يضمن مجلس الجماعة المحلية لكافة المتساكنين والمجتمع المدني مشاركة فعلية في مختلف مراحل إعداد برامج التنمية والتهيئة الترابية ومتابعتها وتنفيذها وتهيئتها»، الى جانب الصلاحيات التي تتمتّع بها المجالس البلدية بصفة منفردة هناك صلاحيات مشتركة تمارسها هذه المجالس بصفة مشتركة مع مختلف السلط المركزية من وزارات ودواوين ووكالات،كما نصّ على ذلك الفصل 109 من مجلة الجماعات المحلية،الذي أكّد أن السلطة المركزية والجماعات المحلّية تتصرّف في التراب الوطني في إطار اختصاصات كل واحدة منها وتعمل بالتنسيق بينها في نفس هذا الإطار في مجال التهيئة الترابية والتعمير». ومن أبرز الصلاحيات التي ستمارسها المجالس البلدية المنتخبة مع السلط المركزية،القيام بكل الأعمال اللازمة والسعي لدفع الاستثمارات وإقامة مناطق للأنشطة الاقتصادية،بالإضافة إلى انجاز التجهيزات الجماعية والاجتماعية والرياضية والثقافية والبيئية والسياحية كدور الثقافة والمتاحف والملاعب الرياضية والمسابح والمنتزهات ومراكز معالجة النفايات وكل هذه الملفات تمثّل اليوم نقطة ضعف فادحة في العمل الجهوي يُتوقّع أن يتم تداركها بانتخاب هذه المجالس البلدية. وستعمل المجالس البلدية كذلك على انجاز شبكات تطهير المياه المستعملة بالإضافة إلى إصلاح وتنظيف وصيانة مجاري مياه الأمطار والأدوية والمنشآت الخاصّة بالحماية من الفياضانات وتنظيم النقل الحضري وصيانة مدارس التعليم الأساسي (الابتدائي والإعدادي) والمستوصفات ومراكز الصحة الأساسية والتدخل بالنسبة للبنايات الآيلة للسقوط.. كل هذه الصلاحيات التي تتعلّق بالتفاصيل اليومية وبشواغل ومشاغل المواطنين في الجهات والتي ربما قد لا تكون من ضمن اهتمامات صناع القرار على مستوى المركزي ستصبح منذ الغدّ محلّ اهتمام من المجالس البلدية المنتخبة والتي ستدير كل هذه القضايا وستمارس صلاحياته في نطاق محلّي انطلاقا من إرادة الناخبين الحرّة.