أثار تصريح وزير التربية حاتم بن سالم القاضي بضبط قائمة سوداء تتعلق بالأطباء الذين منحوا شهادات طبية لغير مستحقيها من منظوري الوزارة جدلا كبيرا حيث عبرت أمس الهياكل المعنيّة صراحة عن امتعاضها من هذا القرار بعد أن أورد رئيس المجلس الوطني لعمادة الأطباء منير يوسف مقني في تصريح إعلامي أمس اعتزام وزارة التربية نشر قائمة سوداء للأطباء يعتبر «إجراء مخالفا للقانون ويندرج في خانة التشهير بمواطن». ويبدو أن هذا الملف»الحارق» سيشهد مستجدات وتطورات في قادم الأيام بالنظر إلى أن وزارة التربية وفقا لما أكده القائمون على الملف عاقدة العزم على التصدي الى هذه المعضلة لاسيما أن الدراسة التي أنجزتها الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية كشفت عن وجود 27.900 يوم عطلة مرضية في وزارة التربية أي ما يعادل 930 شهرا من العمل خالص الأجر كما أن احد الأطباء قام بتسليم 1183 شهادة طبية أي ما يٌعادل 169 شهادة طبية شهريا ليبلغ بذلك مجموع الأجور المدفوعة بعنوان عطل المرض دون عمل 2.463 مليون دينار باحتساب الأجر الشهري للمعلمين والأساتذة بألف دينار. وبالعودة إلى تصريح رئيس المجلس الوطني لعمادة الأطباء ل(وات) فانّ التحقيق في تجاوزات الأطباء هو من صميم مشمولات العمادة كما أن إثبات القيام بهذه التجاوزات من عدمه يتم وجوبا عبر السلطة القضائية أو مجلس عمادة الأطباء الذي يتولى البحث في الملفات المطروحة وإقرار الإجراءات التأديبية اللازمة في شانها في حال ثبت حصول تجاوز وفقا لما أدلى به المتحدث.. كما اعتبرت عمادة الأطباء في بيان لها أمس «ان الأطباء خط أحمر ولا مجال لإصدار القائمة المذكورة». موضحة أنها ستعقد خلال الأيّام القليلة القادمة ندوة مشتركة مع وزارة التربيّة والتعليم للوقوف على مسؤوليّة الإدارة والأطبّاء وللبحث عن سبل إيجاد الحلول الوقائيّة أوّلا والردعيّة ثانيا للحدّ من تفاقم مثل هذه الظواهر السلبيّة مشددة على ان أنّ «التحقيق في تجاوزات الأطباء يُعدّ من صميم مشمولاتها استنادا للفصل 27 من القانون 91/21 المنظم لمهنة الطب»، لافتة الى أنّ من مهامها أيضا الدفاع عن شرف واستقلالية المهنة وتمثيلية أعضائها. كما كشف بيان العمادة أن مجلس التأديب أصدر إلى حد الآن 51 عقوبة تأديبيّة تراوحت بين لفت النظر والشطب من جدول العمادة، مؤكدة انخراطها في المشروع الوطني لمكافحة الفساد. وبالتوازي مع الموقف سالف الذكر تسعى وزارة التربية اليوم إلى إيقاف هذا النزيف خاصة أن التفقدية العامة الإدارية والمالية بوزارة التربية رصدت خلال مهام بحثها وتفقدها تجاوزات تتمثل أساسا في البطء في عرض عطل المرض على اللجان الطبية المركزية أو الجهوية أو الوطنية فضلا عن عدم إعداد قرارات إدارية لعطل المرض العادي أو طويل المدى عبر منظومة «إنصاف». في تفاعله مع المسألة أورد عادل عميرة المتفقد العام الإداري والمالي بوزارة التربية في تصريح ل»الصباح» أنه يأمل في أن نتفاعل وزارة الصحة مع الوزارة بخصوص هذا الملف مشددا على أن الوزارة تدرك جيدا الأطباء الذين يمنحون مثل الشهائد الطبية موضحا أن الإشكالية الكبرى تتمثل في قانون الوظيفة العمومية الذي لا بد من تنقيحه وان يكون أكثر صرامة. وفي نفس السّياق أكد محمد القزوني مدير الشؤون الإدارية بالإدارة العامة للموارد البشرية بوزارة التربية في تصريح ل«الصباح» أن ملف العطل المرضية طويلة الأمد هو ملف قديم جديد ويؤرق جدا وزارة التربية مشيرا إلى أن معالجة الوزارة لبعض الملفات التي تعترضها أسفرت عن وجود وضعيات حرجة بما انه لا يحق مناقشة الرسائل السرية للأطباء وبالتالي فان الإجراءات في شكلها تبدو كلها قانونية لكن نتفاجأ خلال عملية المراقبة أن المعني بالأمر والذي يتمتع بعطلة طويلة الأمد يقيم في الخارج أو يشغل منصبا هناك مشيرا إلى أن وزارة التربية شرعت في التدقيق في الملفات القديمة والمستحدثة والتي تتعلق بالعطل المرضية طويلة الأمد خاصة في اختصاص الأمراض النفسية والعقلية مؤكدا وجود وضعيات جاهزة تتعلق بإعادة النظر التي سيتم تجميعها وتنقيتها مؤكدا أن وزارة التربية ستكون أكثر صرامة في ما يتعلق بالعطل طويلة الأمد..