مرّة أخرى يعود ملف تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتّر وتحريضهم على «الجهاد» ليطفو على سطح الأحداث، الملف «اللغز» الذي أعجز الجميع عن فكّ طلاسمه والصندوق الأسود الذي ما زال يحتفظ بكل أسراره، وهذه الأسرار عجزت حتى اللجنة البرلمانية التي تشكّلت للتحقيق في شبكات تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتّر ورغم استماعها لعشرات الشهادات من مسؤولين وأمنيين وجمعيات مدنية وسياسيين إلا أنها فشلت في كشف حقيقة ما حصل وكيف حصل بطريقة واضحة لا تقبل الدحض أو التفنيد . وعودة هذا الملف لاستقطاب الأضواء مرّة أخرى يأتي بعد أن بثّت منذ أيام إحدى القنوات الفضائية الجزائرية شريطا وثائقيا بعنوان «مجنّدون تحت الطلب» عرضت من خلاله شهادات لتونسيين قُبض عليهم في ليبيا وأشاروا صراحة أنه بعد الثورة أن الدولة والأجهزة الأمنية على علم بتوجّه الشباب التونسي ل»الجهاد» في سوريا وأن هناك بعض السياسيين حرّضوا بطريقة غير مباشرة على التوجّه للقتال في سوريا. وفي بلاغ لها اعتبرت حركة النهضة أن الحركة حُشرت في «اتهامات خطيرة وباطلة ومجانية» في علاقة بقضايا تسفير الشباب الى مناطق القتال. وليس أوّل مرّة يقترن فيها اسم حركة النهضة بشبكة تسفير الشباب الى بؤر التوتّر والقتال، فمنذ سنوات وحركة النهضة تلاحقها اتهامات بخصوص تورّطها في «التسفير» ومنها التصريح الخطير للرئيسة السابقة للجنة التحقيق في شبكات التسفير إلى بؤر التوتر، ليلى الشتاوي، بعد إقالتها من رئاسة اللجنة البرلمانية، وقد أكّدت وقتها ليلى الشتاوي أن الجمعيات المتورّطة في تسفير الشباب الى بؤر التوتر مدعومة من طرف قيادي من حركة النهضة (لم تذكر اسمه) وأن عمليات التسفير بدأت في زمن حكومة الترويكا التي كانت تقودها حركة النهضة. أين الحقيقة بخصوص الأطراف المتورّطة في شبكات التسفير وهل فعلا حركة النهضة متورّطة أم ان كل الاتهامات التي تواجهها تأتي في إطار تصفية حسابات سياسية؟ وأين القضاء التونسي ممّا يجري والى أين وصلت التحقيقات ولماذا إلى اليوم لم يقع حسم الحقيقة حول هذا الملف؟ كلها أسئلة تزيد هذا الملف خطورة أمام صمت مريب من أجهزة الدولة كما تزيد الحقيقة غموضا وتزيد المجتمع انقساما .. الشهادات عرض الشريط الوثائقي شهادات لتونسيين انتموا لتنظيم «داعش» واعتقلوا في ليبيا تحدّثوا انطلاقا من تجربتهم عن رحلتهم «الجهادية» انطلاقا من تونس وصولا إلى معاقل داعش بليبيا وسوريا ومن بين هؤلاء العناصر نجد حمزة الجريء الذي أكّد ان الدولة والحكومة كانتا على علم برغبة الشباب في التوجّه إلى ليبيا أو إلى سوريا وأن بعض السياسيين كانوا يحرضون بطريقة غير مباشرة على الجهاد. شهادة أخرى للمدعو منير بن هلال وهو أحد عناصر التنظيم أكّد من خلالها أنه كان من الداعمين للذهاب إلى سوريا وأن الذهاب للقتال في سوريا لم يكن وقتها جريمة يُعاقب عليها القانون التونسي. بدوره أكّد المدعو عاطف بن العزيز أنه كان ينادي بتطبيق الكتاب والسنّة في تونس، وأنه تم توقيفه مرات ولكن لم يقع التحقيق معه او استجوابه حول ذلك .. شهادات مثيرة أوردها التقرير وأثارت من جديد الجدل حول هذا الملف الذي يزداد الغموض حوله يوميا.. النهضة تندّد والشروق الجزائرية تردّ لم تصمت حركة النهضة عن الردّ على بعض الشهادات التي أوردها الشريط وفنّدت في بلاغ لها ما ورد على لسان أصحابها حيث عبّرت حركة النهضة عن «تفاجئها»واعتبرت أن الشريط الوثائقي الذي بثّته احدى الفضائيات الجزائرية من أيام قليلة، قد تضمن «اتهامات خطيرة باطلة ومجانية تحشر عن سابق إصرار وتعمد حركة النهضة التي تعد نموذجا ضمن الأحزاب الديمقراطية العربية، في قضايا تتعلق بتسفير بعض الشباب إلى مناطق القتال» وفق نصّ البلاغ. كما اعتبرت الحركة أن الشهادات تم إعدادها سلفا مع موقوفين تونسيين بالسجون الليبية وأن الحركة تشكّ في أن اعترافاتهم انتزعت منهم «تحت التعذيب».. وأضاف البلاغ أن «مقاييس النزاهة والحياد كانت تقتضي التواصل مع حركة النهضة واستيضاحها وتقديم وجهة نظرها وحقها المشروع في الرد والتوضيح وإبراز الحقائق»..مؤكّدة بأن ما ورد في الشريط مزاعم لا أساس لها من الصحّة. في المقابل ردّت الصحفية الجزائرية التي أعدّت الشريط الوثائقي، ناهد الزرواطي، على بلاغ حركة النهضة في تدوينة نشرتها على صفحتها الرسمية أكّدت من خلالها أنها لم تتوقع أن «تدافع الحركة وتنتفض ضد كل ما بث في الوثائقي رغم أنه لم يشخصها ولم يتهمها بل اخرج شهادات تحدثت عن قيادات متورطة داخلها وما الرد الا دفاع عن هؤلاء حسب ما أفهم».. كما أكّدت في تدوينتها «أن الجزء الذي تم بثّه ليس إلا نقطة من بحر أجزاء قالت أنها «ستحمل الأعظم» وفق تعبيرها. وكانت النائبة عن حركة النهضة يمينة الزغلامي طالبت منذ أشهر بأن تكون مداولات اللجنة البرلمانية علنية وأن تبث مباشرة على وسائل الإعلام وأن ذلك سيكون فرصة لحركة النهضة لكي تثبت في إطار الشفافية عدم تورطها في تسفير الشباب مثلما تم اتهامها. قضية في الأفق بعد بث الشريط الوثائقي أعلن الحزب الدستوري الحرّ برئاسة عبير موسى في ندوة صحفية أنه يعتزم مقاضاة «تنظيم الإخوان» في إشارة لحركة النهضة بسبب تورطها في تسفير التونسيين للقتال في بؤر التوتر وقالت رئيسة الحزب عبير موسى إن الشكوى ترتكز على مؤيدات وشهادات موجودة ضد التنظيم وحكومة «الترويكا» التي سهلت عملية تسفير الشباب إلى بؤر التوتر انطلاقا من الشهادات التي بثّها شريط «مجندون تحت الطلب».. عبير موسى أكّدت كذلك أن الدعوى القضائية ستشمل عددا من قيادات حركة النهضة وهم حمادي جبالي وراشد الغنوشي وعلي العريض وحبيب اللوز .