من شأن الموقف الذي تعرضت له مندوبة واشنطن في الاممالمتحدة أمام طلبة جامعة هيوستن هذا الاسبوع أن يعيد الى الاذهان حادثة حذاء الزيدي والرئيس الاسبق جورج بوش الابن خلال زيارته المفاجئة الى العاصمة العراقيةبغداد قبل عشر سنوات، حين وجد بوش نفسه يتلقى فردتي حذاء من الصحفي العراقي منتظر الزيدي وهو يصرخ "هذه هدية الشعب العراقي وهذه هدية الامهات والضحايا في العراق"... لحظات مرت بسرعة البرق ولكنها كانت ثقيلة ومهينة للرئيس الامريكي حتى إن تظاهر بعكس ذلك، ومحرجة لمضيفه نوري المالكي آنذاك الذي حاول حمايته من فردة الحذاء التي كلفت صاحبها تسعة أشهر قضاها خلف القضبان قبل أن ينتقل للعيش في بيروت تاركا وراءه جحيم العراق الجديد طيلة عقد كامل... نيكي هايلي، مندوبة الرئيس الامريكي دونالد ترامب في الاممالمتحدة والتي لا تدخر جهدا يذكر في الدفاع عن ممارسات الاحتلال الاسرائيلي وشرعنة جرائم القتل الممنهج وتوفير الحصانة له في كل الجرائم التي يقترفها، عاشت قبل أيام على وقع حادثة مماثلة وان اختلفت تفاصيلها وهي التي حلت بجامعة هوستن لتقدم محاضرة أمام طلبتها فوجدت نفسها تواجه كيلا من الاتهامات بسبب انحيازها المفضوح في الاممالمتحدة واستماتتها في اجهاض بيان مجلس الامن عن جرائم جيش الاحتلال في غزة والدفاع عن قرار ترامب نقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدس والتشفي بمعاقبة وسحب المساعدات عن كل الدول المعارضة للقرار يقترفها... نيكي هايلي التي كانت تمني نفسها بلقاء لترويج سياسة بلادها الخارجية وجدت نفسها في قفص الاتهام أمام مجموعات من الطلبة الامريكيين والعرب وغيرهم لتتحول المحاضرة للحظات الى وقفة احتجاجية على سياسة بلادها ضد الفلسطينيين وتقع بذلك في موقف لا تحسد عليه وهي تقرأ وتسمع شعارات على شاكلة "يداك مُلطختين بدّم الشعب الأعزل" و"فلسطين حرّة"... وما ان بدأت بالحديث حتى قاطعها أحد الطلبة بأنها تواصل دعم كيان ارهابي استعماري الامر الذي أربكها واعجزها عن الكلام للحظات قبل أن ينقذها تدخل الامن ويدفع بالمتظاهرين الى مغادرة المكان... طبعا سيكون من السذاجة توقع أي تغيير في موقف الادارة الامريكية من الصراع الاسرائيلي الفلسطيني بعد حادثة جامعة هيوستن، بل لعل العكس صحيح، وربما ما يجب انتظاره أن تكون نيكي هايلي أكثر صلابة في مواقفها نكاية في منتقديها... فمثل هذه الخطوات الاحتجاجية الغاضبة وإن أثارت الكثير من الجدل في مختلف الاوساط الاعلامية والسياسية الامريكية - وقد تكون احرجت المبعوثة الامريكية - لا تقارن بما تقوم به اللوبيات اليهودية المتنفذة في مؤسسات صنع القرار الامريكي السياسي والمالي واقطابها، وهي على اهميتها تحتاج لمزيد التنظم والهيكلة والتمويل وجمع صفوف الامريكيين العرب مسلمين ومسيحيين ممن خبروا منافذ ومواقع السلطة الامريكية منذ استقرارهم بأمريكا قبل أكثر من قرن، ولاشك أن الاجيال المتعاقبة للامريكيين العرب مدعوة وأكثر من أي وقت مضى الى أن يكون لها صوتها في الساحة الامريكية... حذاء الزيدي الذي يستحق أن يرفع في وجه الانتهازية العابرة للحدود والذي يحرص السياسيون الامريكيون جيدا على اسقاطه من الذاكرة وتجاهل ما يحمله في طياته من ادانة للاجتياح الامريكي للعراق، لا يمكن أن يلغي ضرورة الاعتبار بما يحدث من حولنا من تهميش واستخفاف وظلم للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني، وبأن مثل هذه التحركات تبقى في اطار الاستعراض الفرجوي، الذي قد يمنحنا بعض الاحساس بالرضا والاستهزاء بالخصم وتقزيمه، ولكنه لن يقدم بأي حال من الاحوال التغيير المنشود والمؤثر على كابوس الواقع المأساوي، الذي يحتاج استئصال الكثير من الاورام التي اخترقته وجعلته رهينة خيارات وحسابات وتصورات أطراف خارجية تجيد دور المرتزقة وتجارة الاوطان...