« نحو 180 شخصا صارعوا الموت فكان الغرق مصير عدد منهم فيما تمكنت أنا من النجاة بفضل قطعة خشب تشبثت بها وبقيت ممسكا بها لنحو 9 ساعات في عرض البحر الى حين انقاذي لتكتب لي الحياة من جديد» هذا بعض ما جاء في شهادة أحد العائدين من «الموت» وأحد الناجين في حادثة غرق مركب «الحارقين» ليلة السبت الفارط بسواحل قرقنة فاجعة أليمة وكارثة «مميتة» قصفت أعمار العشرات من شبابنا وحطت بظلالها على البيوت التونسية وخلفت ثكالى ويتامى ومكلومين بالجملة لتنطلق صيحات الفزع والصراخ والعويل في العديد من البيوت في مختلف ولايات الجمهورية بعد بلوغهم خبر الفاجعة.. شباب في عمر الزهور غامروا بحياتهم طمعا في مستقبل أفضل في الضفة الأخرى من المتوسط ركبوا البحر ليلا تستروا بالعتمة طمعا في النجاة ولكن خذلهم المركب أو»الربان» أو منظم الرحلة أي كان سبب الخذلان فان النهاية كانت حزينة بدأ الماء يتسرب الى المركب الذي فقد توازنه وبدأ يغرق حينها علت الصيحات وأحس «الحارقون» بقيمة الحياة وكان الهدف الوحيد لهم هو النجاة مهما كان الثمن فتعلق البعض ببقايا المركب واخرون بقطع خشب والكل يحاول الوصول الى اليابسة، يحاول النجاة فحالف الحظ الأقلية فيما غرق اخرون وفقد البعض الاخر صورا حزينة ومثيرة لجثث تم انتشالها ليتم تقديمهم لاحقا الى عائلاتهم الذين علت ملامحهم علامات الحزن واليأس.. جنائز بالجملة سيتم تنظيمها لضحايا من نوع اخر لشباب فقد الأمل وبلغ مرحلة من اليأس والاحباط دفعته للتضحية بحياته في سبيل مجرد حلم مجرد وهم قد ينقذه من واقع مرير لم يعد يحتمله.. حادثة غرق المركب بقرقنة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة بل هي تدخل ضمن سلسلة من فواجع «الحرقان» التي لن تنتهي الا بانتهاء أسبابها والباعث عليها وهذا أمر قد يطول في انتظار ذلك سيدفع العديد من شبابنا حياته ثمنا لسياسة التهميش واللامبالاة. ملامح كارثة «مركب قرقنة» انطلقت يوم السبت الفارط في حدود الساعة الحادية عشرة الا ربع ليلا تبعا لنداء استغاثة يؤكد تواجد مركب صيد بعرض سواحل قرقنة على متنه مجموعة من»الحارقين» بصدد الغرق فتحولت في الإبان الوحدات البحرية العائمة التابعة للحرس الوطني بصفاقس ووحدات جيش البحر إلى مكان المركب الذي كان يبعد حوالي خمسة أميال بحرية عن جزيرة قرقنة و16 ميلا بحريا على سواحل مدينة صفاقس وكان المركب بصدد الغرق حيث تولت الوحدات المذكورة إنقاذ عدد من «الحارقين» وانتشال جثث عدد اخر فيما مازالت عمليات البحث عن المفقودين متواصلة. وفي هذا الصدد ذكر مراد التركي الناطق الرسمي باسم محاكم صفاقس ل»الصباح» أن وكيل الجمهورية بالمحكمة الإبتدائية بصفاقس أذن بفتح بحث تحقيقي في خصوص حادثة غرق مركب ل»الحارقين» بقرقنة من أجل تهم تتعلق بتكوين وفاق بغاية مساعدة الغير على الإبحار خلسة والناجم عنه الموت ورسمت القضية لدى قاضي التحقيق الأول بالمكتب الرابع للمحكمة الإبتدائية بصفاقس الذي باشر الأبحاث فيها كما تنقلت النيابة العمومية إلى المستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة لمعاينة جثث الغرقى التي تم انتشالها من البحر وإيداعها بقسم الأموات بالمستشفى على ذمة الطبيب الشرعي وأضاف أن الأبحاث حثيثة بغاية الكشف عن ملابسات الحادثة وإلقاء القبض على منظمي هذه «الحرقة» التي أدت إلى حدوث الفاجعة وأكد التركي أن عدد الجثث التي تم انتشالها إلى حدود أمس بلغ 48 جثة وتم إنقاذ 68 مجتازا ومازال البقية في عداد المفقودين ومن بين الناجين 60 تونسيا وخمسة من دول إفريقية ومغربيين وليبي واضاف التركي انه تم تشريح 26 جثة والاذن بدفنهم وتواصل تقديم الأذون بالدفن الى ساعة متأخرة من فجر أمس قبل ان يتم نقلهم الى ذويهم كما تم التعرف على 14 افريقيا بينهم أربع نساء احداهن تعرفت عليها شقيقتها والثانية كان بحوزتها جواز سفرها واخريين سيتم دفنهما بالمقابر التونسية فيما مازال البحث متواصلا في شأن ثمانية جثث لأفارقة قصد التعرف على ذويهم، من جهته ذكر خليفة الشيباني الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية انه تم انتشال 48 جثة والتعرف على 38 اخرين من بينهم 26 شخصا من جنسية تونسية و12 أجنبيا وجاري التعرف على عشرة أشخاص اخرين من طرف الطب الشرعي كما أكد أنه تم التعرف على ثمانية من منظمي رحلة «الموت» وهم من ذوي السوابق العدلية تم ادراجهم بالتفتيش. وفي ذات السياق أكد أمس المدير الجهوي للصحة بصفاقس ان سبعة من ضحايا حادثة الغرق من ولاية قابس وثلاثة من ولاية بن عروس واربعة ضحايا من ولاية مدنين وثلاثة من ولاية تطاوين وضحية من سليانة وأخرى من صفاقس وضحية واحدة من تونس وأخرى من جندوبة. ردود أفعال وتفاعلا مع «الكارثة» انعقد أمس مجلس وزاري بقصر الحكومة بالقصبة تحت اشراف رئيس الحكومة بحضور وزيري الدفاع والداخلية وعدد من القيادات الأمنية والعسكرية العليا أكد خلاله رئيس الحكومة على مواصلة الجهود ووضع كل الامكانيات الضرورية من أجل استكمال عملية البحث عن المفقودين وقررللغرض تركيز خلية أزمة على المستوى الحكومي لتوفير الاحاطة بالعائلات وتوفير المساندة المعنوية والنفسية للناجين كما قدم تعليماته للمسؤولين على المستويين الوطني والجهوي كل في مجال اختصاصه لتوفير العناية العاجلة والضرورية لعائلات الضحايا ماديا ومعنويا وأكد رئيس الحكومة في ذات السياق على ضرورة التفعيل السريع لقرارات المجالس الوزارية السابقة فيما يتعلق بتتبع الشبكات الاجرامية المختصة في استغلال الشباب الراغب في الهجرة والمتاجرة بهم والمخاطرة بحياتهم وتفكيكها في اسرع وقت ومعالجة كل اوجه القصور التي أدت الى حصول مثل هذه الفاجعة. من جهته أصدر أمس المنتدى الاقتصادي والاجتماعي بيانا طالب من خلاله بسرعة تقديم المعلومة لعائلات الضحايا والمفقودين وتوفير الاحاطة النفسية والمعنوية للناجين كما طالب الحكومة بمراجعة المقاربة الأمنية في التعامل مع عمليات «الحرقان» وتفكيك شبكات التهريب ومحاكمة المشتغلين بها وأكد على ضرورة مراجعة مسارات التعاون الحالية مع الاتحاد الأوروبي والتي تعطي الأولوية للمقاربات الأمنية وتعتمد سياسات غلق الحدود دون تقديم بدائل تنموية شاملة تستجيب لتطلعات الشباب كما قدر المنتدى عدد الذين هاجروا سنة 2017 بأكثر من 15 ألف شخص منهم 6151 مروا عبر السلطات الايطالية و3178 وقع احباط محاولاتهم في «الحرقان» والبقية نجحوا في الوصول الى سواحل أوروبا دون المرور بطرف رسمي وقد قدر عدد الذين حاولوا «الحرقان خلال الثلاثية الأولى من السنة الحالية بثلاثة الاف شخص وهو ما يمثل 10 مرات العدد الذي تم تسجيله خلال نفس الفترة من السنة الفارطة. من جهتها اعترفت أمس حركة «نداء تونس « في بيان لها بجزء من المسؤولية في فشل كل الطبقة السياسية في اعادة الأمل لفئات من الشعب التونسي انسدت أمامهم الافاق وفقدوا الثقة في مستقبل بلادهم وأكدت انها تمد يدها لكل الفاعلين السياسيين والمدنيين في البلاد لتقاسم مشروع انقاذ وطني عاجل يخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.