بعد ترجل توفيق بكار وكمال عمران هاهي الجامعة التونسية تفقد رمزا آخر من رموزها وكفاءة علمية كانت تعتز بها لأنها كانت ترفع اسم تونس عاليا في المحافل الثقافية العربية والدولية وفي منظمات الاممالمتحدة للثقافة والتربية والعلوم. وفقيد الساحة الثقافية العربية والتونسية الثالث خلال مدة وجيزة هو احد اهم رجالات الفكر والأدب التونسي الأكاديمي والناقد والروائي حسين الواد الذي غادر هذه الحياة يوم السبت 2جوان 2018 بالمملكة العربية السعودية عن سن ناهزت السبعين سنة. والحقيقة ان خبر وفاته كان مفاجئا وموجعا في نفس الوقت فالرجل في اوج العطاء ولم نر عليه التعب في الدورة الاخيرة من معرض تونس الدولي للكتاب، وقد كان من اهم نجومها، بل كان يتقد حيوية ونشاطا تملأ محاياه الابتسامة والتفاؤل وهو يقدم لنا روايته الاخيرة «الغربان» الصادرة عن دار الجنوب للنشر. وهي روايته الثالثة بعد «روائح المدينة» (الجزء الاول) الحاصلة على الكومار الذهبي في تونس»و روائح المدينة 2» الصادرة سنة 2015 و»سعادته.. السيد الوزير» التي تأهلت الى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية 2013. رواياته الثلاث لفتت اليها الانتباه رغم انه كان يتذمر من عدم تناولها اعلاميا في تونس وكثيرا ما صرح بان كتاباته تنال حظوة عربية اكثر من التونسية والحقيقة ان رواياته تركت الاثر الطيب لأنه كتبها بعين الناقد بعد ان صقلت دراساته وبحوثه تجربته، فحسين الواد لم يبدأ نشر الروايات إلا سنة 2010 رغم غزارة انتاجه في مجال نقد الأدب العربي القديم والحديث والمناهج الحديثة. لأنه كان يعتقد ويصرّح بان الكتابة الروائية عسيرة جدا، وغير العارفين بها يستسهلونها، يعتقدون أنه يكفي أن تشرع في الحكي حتى تكون رواية.صحيح أنها جنس حرّ، وأنها لا تُعرّف إلا بالحرية، لكن الحرية حرية مسؤولة. يندد ويشهر بالفساد مهما كان مأتاه ومن بين ما صدر له «البنية القصصية في رسالة الغفران»، سنة 1972، و»تأريخ الأدب: مفاهيم ومناهج» (1979) و»مناهج في الدراسات الأدبية» (1982) و»جمالية الأنا في شعر الأعشى الكبير» (2001) و»نظر في الشعر القديم، كرسي الدكتور عبد العزيز المانع لدراسات اللغة العربية وآدابها» (2009) و»حرباء النقد وتطبيقاتها على شعر التجديد في العصر العباسي» (2011) وعن مجمل هذه الاعمال نال جائزة توفيق بكار التقديرية في مسابقات الدورة 34 لمعرض تونس الدولي للكتاب سنة 2018 . وقد كان سعيدا بهذه الجائزة وبهذا التكريم الذي ناله وقد كانت له مشاريع كتابات وبحوث في انتظار النشر مثل الجزء الثالث من رواية «روائح المدينة»، اضافة الى ان دار الجنوب للنشر تعمل على اصدرا أعماله الكاملة بعد ان تعهدت وزارة الشؤون الثقافية بدعم كامل المشروع. وهو اقل ما يمكن ان نقدمه لهذا الباحث الاكاديمي الذي لم تكن علاقته جيدة بما يكفي مع المسؤولين الاداريين والسياسيين ليحظى بالمكانة التي تليق به في تونس. حيث كانت علاقته بالجامعة التونسية في بداية مسيرته متوترة في اغلب الاحيان لصرامة مواقفه ورفضه للتدجين وقد الصقت به تهمة «الحداثة» مما جعل السلطة تتوجس منه حتى انه حرم من النجاح في الاختبارات الشفوية في مناظرة التبريز سنة 1973 وتحول الاختبار الى محاكمة فكرية.. هذا قبل ان تتم دعوته للإشراف على كلية القيروان. كان الراحل حسين الواد خلوقا رافضا للفساد مهما كان مأتاه يشهر به ويندد ثم ينسحب مما يعمل جاهدا على الوصول اليه من مناصب عندما يجد انه لن يتمكن من الاصلاح والإضافة وقد عرف عنه سعيه الدؤوب لتقديم المساعدة. وقد ترك حين غادر البلاد وقرر الاقامة في المملكة العربية السعودية بغاية التدريس في جامعة الرياض صداقات كثيرا في تونس وفي المشرق كما في المغرب وقد بكاه طلبته وزملاؤه لأنه كان يحسن الاستماع اليهم ولا يعمل ابدا على التأثير عليهم وعلى سير بحوثهم وقد اطّر ما لا يحصى ولا يعد من الطلبة في مستوى الكفاءة والتعمق وفي دكتوراه الدولة. وقد عرف عنه انه لا يوجّه طلابه الى ما سبق ان اهتم به هو من مواضيع حتى لا يؤثر على اختياراتهم وانه كان يتلافى اقتراح مواضيع البحوث عليهم بل يترك لهم الحرية ويساعد فقط في منهج التناول. طبّق النظريات والمناهج النقدية الحديثة على الأدب العربي حسين الواد له أكثر من أحد عشر دراسة أكاديمية في الأدب العربي وهو من مؤسسي حركة الطليعة التونسية سنوات 69 7071 من القرن الماضي ومن الذين عانوا من التضييق ومن عدم السماح بنشر ابداعاتهم ونقدهم للسائد الى ان اضمحلت الحركة تقريبا سنة 1972 ولكنه تميز على غيره بقدرته على النشر الجامعي حيث كانت الجامعة التونسية قد بدأت وقتها في تنظيم الدراسات العليا فكتب سنة 1972 اولى بحوثه وقد كان بعنوان «البنية القصصية في رسالة الغفران» وقد كان اول بحث في العربية يعتمد على المناهج الحديثة، بعد ان كان المنهج التاريخي مسيطرا على التدريس في الجامعات العربية وهكذا بدأت مسيرته مع المناهج الحديثة والتنظير للأدب ولعلاقة الادب بالتاريخ وبدا في نشر بحوث ودروس في كتاب «في مناهج الدراسة الأدبية». ثم استعمل نظرية التلقي الالمانية في اطروحة دكتوراه «المتنبي والتجربة الجمالية عند العرب» سنة 1987. ودرّس النظريات والمناهج النقدية الحديثة وتطبيقاتها على الأدب العربي سواء في الجامعة التونسية وبعض الجامعات العربية من المغرب الى السعودية حيث شغل مناصب علمية وثقافية من بينها انه كان عميدا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان، ومديرا لمعهد بورقيبة للغات الحية بتونس، وممثلا لتونس في «اليونسكو» و»الالكسو «و»الاسيسكو». هذه منظمات انسحب منها لأنه رأى ان العمل فيها بصدق ومسؤولية غير متاح بعد ان اكتشف ان السياسة افسدتها. ولطالما اقتنع حسين الواد بان بعض دارسي الادب العربي والشعر خاصة يتكلمون عما لا يعرفون وأنهم كرسوا الجهل والتعصب والخطأ وكثيرا ما صرح بان ادبنا العربي والدراسات حوله لا تهتم به بل تتناول قضايا هامشية فيه مما الصق به تهمة البشاعة والسخف. لقد توفي حسين الواد وهو من مواليد في 20 مارس 1948 في مدينة المكنين من ولاية المنستير وترك ثروة من الكتب افنى فيها حياته وكان رائدا في دراسة الادب ونقده وصاحب الدور التأسيسي في تأصيل مناهج الحداثة القادمة من الغرب في دراسة الأدب وسحبها على النصوص العربية التراثية والمعاصرة . رحم الله فقيد تونس ورزق المثقفين التونسيين والعرب جميل الصبر والسلوان.