بعد مضي أكثر من اربع وعشرين ساعة على التصريحات المثيرة لوزير خارجية الامارات أنور قرقاش بشأن موقف بلاده من سوريا، لم يصدر تكذيب أو نفي أو تراجع عما صدر عمن يفترض أنه مسؤول الديبلوماسية الإماراتية، بما يعني أن اعترافه بأن ابعاد سوريا عن جامعة الدول العربية كان خطأ فادحا لم ينسب له كذبا او افتراء... هذه التصريحات التي يمكن اعتبارها الاولى من نوعها لمسؤول اماراتي منذ بداية الازمة السورية قبل نحو ثمان سنوات، اتصفت بجرأة غير مسبوقة، إلا أنه سيكون من السذاجة اعتبار أنها تعكس تحولا في الموقف الرسمي الاماراتي نتيجة مراجعة جدية لتداعيات المشهد السوري عربيا وإقليميا. فالسياسة ليست أقوالا أو خطابات أو شعارات بل هي خيارات ومواقف إذا لم تجد لها موقعا على الارض فإنها تبقى في دائرة السفسطة والبحث عن اثارة الجدل والترويج الاعلامي... أنور قرقاش وفي حديث صحفي مطول اعترف بأن عزل سوريا وابعادها عن الجامعة العربية كان خطأ فادحا وخلص الى أنه لا حل في هذا البلد بدون حل سياسي. قرقاش قال "نعم، ارتكبنا أخطاء استراتيجية، منها مقعد سوريا في الجامعة العربية، لكننا لا نزال نؤكد ألا حل في سوريا سوى الحل السياسي، بانتقال سلمي للسلطة، ونرفض أي حسم عسكري مهما كان نوعه". الحقيقة أن تصريحات المسؤول الاماراتي على أهميتها لا تخلو من التناقضات الصارخة، وأولها وأخطرها أن زمن رفض التدخلات العسكرية في سوريا ولى وانتهى. فسوريا اليوم مخبر مفتوح لأكثر من ستة جيوش أجنبية على أرضها إذا اعتبرنا روسيا وايران وحزب الله وتركيا وامريكا وفرنسا دون اعتبار للتنظيمات الارهابية المسلحة التي وجدت لها في بلاد الشام ملاذا. والحقيقة ايضا انه لولا الفراغ الحاصل والغياب العربي في سوريا، ومن قبل في العراق وبالأمس القريب في ليبيا، لما بلغ المشهد ما بلغه من انهيار وغرق في الحضيض، ولا شك ان التاريخ كفيل بتحميل كل طرف مسؤوليته في تعميق الجراح الى درجة التعفن وانحصار أسباب العلاج والتعافي المتاحة... لسنا في إطار استباق الاحداث ولكن لا نعتقد أن المسؤول الاماراتي تحدث بدافع شخصي عن الازمة في سوريا، والارجح أن أسبابا كثيرة دفعت الى هذا التحول في المواقف ولا نخال أن التطورات الميدانية في سوريا بعد انهيار تنظيم "داعش" وبعد فشل كل الرهانات على المعارضة السورية في الرياض بعيدة عن منطق الحسابات ولعبة المصالح في دائرة الامارات ولكن أيضا في دائرة منطقة الخليج والتحالف السعودي الاماراتي. ولعله من المهم الاشارة الى أن تصريحات المسؤول الاماراتي تأتي بالتزامن مع مرور عام على أزمة الخليج والحصار المفروض على دولة قطر والتي يتضح اليوم أنها حرب لا رابح فيها ولا خاسر غير الاطراف المعنية بالأزمة والتي تصر على التفكك والتفريط في الاتحاد الخليجي الذي كانت تتطلع الى اعلانه قبل أن تفرق بينها صراعات النفوذ والتناحر، ولكن ايضا وهذا المهم مع اعلان الرئيس السوري بشار الاسد حصول تقارب مع الدوحة وهو ما انعكس على خطاب قناة "الجزيرة" التي يبدو أنها اختارت تهدئة النفوس في هذه المرحلة. تماما كما أنها تأتي مع التطورات الخطيرة في المشهد اليمني وتفاقم المخاطر في هذا البلد أمام انتشار المجاعة والاوبئة والخراب والدمار الذي حول اليمن الى مخبر مفتوح لكل انواع السلاح القادم من مصانع الغرب والتي لا يبدو أنها كانت حاسمة في القضاء على الحوثيين وأنصارهم... الاكيد أن الاعتراف بالخطأ خطوة أولى وهي خطوة لا يقدر عليها الكثيرون ولكن الاهم ماذا بعد هدا الاعتراف هل تتجه الامارات الى دفع عودة سوريا الى الجامعة العربية وهل تتجه الى مراجعة موضوعية لدورها في اليمن وهل يمكن ان يكون ذلك دافعا الى الاعتراف بأخطاء كثيرة كانت ولاتزال وراء دق إسفين التفكيك والفتن في منطقة تسير الى حافة الهاوية؟... كثيرة الحقيقة هي التساؤلات القائمة وهي تساؤلات مشروعة وتحتاج جرعة اضافية من الجرأة والشجاعة عسى أن تعيد الوعي المفقود لأصحابه بأن الوضع العربي في كلمة كارثي...