قدم الفنان زياد غرسة عرضا يندرج ضمن برنامج مهرجان المدينة واختتم به تظاهرة «مجالس المالوف» التي ينظمها قطب الموسيقى والأوبرا بمدينة الثقافة ضمن برمجته الرمضانية وذلك يوم الجمعة 08 جوان بمسرح الأوبرا بمدينة الثقافة. وجدد زياد بالمناسبة العهد مع النجاح والتالق وحاز مرة اخرى رضاء الجمهور الذي غصت به قاعة الاوبرا بطابقيها الارضى والعلوي بمدينة الثقافة.. زياد قاد ليلتها كورالا فاق عدد عناصره كل التوقعات يطلب الهدوء والاستماع في صمت فيستجاب طلبه ويأذن بالغناء معه فتتوحد اصوات الحاضرين وبالخصوص الحاضرات على نغمة واحدة وطبقة واحده ويتمنى الزغاريد فينالها وتملأ ارجاء القاعة. اما عن التصفيق فلا تسال فبعضه يرافق الاغاني وبعضه الآخر يربط بين الاغنية والأخرى قتتجاوز احيانا مدته مدة الاغنية نفسها. كان زياد كعادته في هذه المناسبات سعيدا ومن من الفنانين يمكنه في هذه الايام ان يحظى بجمهور متعدد الشرائح العمرية وان كان اغلبه من الاناث.. ومن من الفنانين يمكنه ان يغني هذا اللون الموسيقي والأغنية الطربية الاصيلة والازجال والاشعار ذات الكلمات البليغة والمشحونة بالمعاني بلغة عربية فصحى او بلهجة تونسية ولا يمله الجمهور ولا يعرض عنه؟ مازال يعلم جمهوره حب التونسي الاصيل عروض زياد غرسة سواء كانت بالمسرح البلدي بالعاصمة او في قرطاج او في أوبيرا مدينة الثقافة لا يمكن ان تجد فيها مكانا شاغرا ولا متفرجا غير راض سواء غنى زياد الجديد او اقتصر عرضه على القديم من انتاجه الخاص او من المالوف والأغاني التونسية القديمة التي كان زياد ومن قبله والده المرحوم الطاهر غرسة يحفظها للجمهور ويعلمه كيف يحبها ويعتز بها ويطرب لسماعها ويساهم في المحافظة عليها بترديدها وطلب سماعها كلما توفرت الفرصة. من قال :«اللي في عينك حلا كان من برا جاء»، وان التونسي لا يحب الا المغنين الاجانب والعرب واللبنانين والمصريين فقط اجابه زياد في هذا العرض كما في عروضه السابقة انه على خطإ لان التونسيين يحبون الفن التونسي ويحفلون به ويشجعونه حتى وان كان اختيارا ومبدأ ثابتا لا يحيد الفنان عنه.. فزياد منذ نعومة اظفاره اختار هذا النوع من الفن وتعلمه على والده وصقله بعده مع عدد من رموز وأعلام الفن التونسي الاصيل ومنذ بدأ يقدمه ويقتصر عليه في كل حفلاته والجمهور يشجعه يسانده بالتصفيق والزغاريد ومزيد الاقبال في العروض التالية ويقبل منه اختياره وثباته على مبدأ احترام التونسي والمحافظة على تراثنا الموسيقي والغنائي واعادة احيائه والنسج على منواله. زياد المشاكس والمراوغ تسلطن زياد امام جمهور عدده بالآلاف شاكسه وغازله وتدلل عليه ودغدغ وجدانه وعشقه للفن التونسي الاصيل وللمالوف والوتري والطربي الاصيل مع فرقة موسيقية متكونة من 13 عازفا ومجموعة صوتية متكونة من 5 عناصر خلت من العود ومن البيانو العربي الذي تعود زياد العزف عليه واستبدلهما بالاورغ بعد ان دجّنه وطوعه لما اراد من الالحان وجعله في خدمة مشروعه الفني الذي فرضه على الجميع وخلق له جمهورا يحبه ويطالب به ويتقبله حيث عرضه وتمكن زياد من دحض شعار «الجمهور عاوز كده» بل فرض لونه ومشروعه الفني بالتفاني في العمل والصدق فيه وفي حب تونس وفنها وبالثبات على تقديم ما تربي عليه وما يرضه دون التفكير في منطق السوق او الجري وراء الثروة والمال. زياد غرسة وهو يصقل موهبته خبر الجمهور وأصبح يعرف كيف يرضه بالراقي من الكلمات والالحان وحتى ان رغب في الرقص فهو يرقصه ولكن على ايقاعات تونسية. قسم زياد عرضه الى ثلاث فقرات واستهل الاولى بمقطوعتين موسيقيتين من انتاجه الخاص ادخل بعدهما الجمهور في اجواء المالوف التونسي والموشحات وعنى «آه من العشق» و «بلّغ سلامي الى» و«ما كنت ادري ما الحب» و«يا ناس جرت لي غرايب». نوبة تجلي وتوحد ثم دخل في نوبة من الآهات التي تذكر بموسيقى القوالي التعبدية التي لا يتقنها عادة الا المتصوفة وكان قد برع فيها الباكستاني الراحل نصرت فتح علي خان وكان ملحم بركات جربها على طريقته ونجح فيها ولكنها كانت مختلفة عند زياد غرسة وقد اثبت فيها قدرات صوتية ليست غريبة عنه ولكنها ملفتة للانتباه وحتى الدهشة فقد اتقن الاداء بمستويات عالية لمدة طويلة جدا دون توقف مع المحافظة على النكهة التونسية وقد بدا لنا انه قادر على ما هو اطول ولكنه راعى ان جمهوره لم يتعود منه بعد هذا النوع من التجلي والتوحد. ولكن الجمهور اعجب بهذا التحدي الكبير فهم القداسة التي يتعامل بها زياد مع فنه ومع موسيقاه ومع صوته ورغبته الدائمة في ولوج عوالم جديدة في اطار تونسي اصيل فكان الهدوء الذي سبقته عاصفة من التصفيق الحار. وكانت الوصلة الثانية بمثابة جائزة للجمهور الذي احب جديد زياد وتفاعل معه فغنى له نوبات من المالوف والموشحات التي احبها وتعود الرقص والزغاريد عليها وترديدها كلمة ولحنا معه على غرار «شوشانة» و«انت وينك» و«الكون الى جمالكم مشتاقون» و«الخلاعة تعجبني لأنني وليع». وفي الفقرة الثالثة غنى زياد جديده وقديمة من الاغاني التي لحنها له الشاعر علي اللواتي مثل «وقفوا البنات في البراكن» وقال زياد ان اللواتي هو الوحيد الذي كتب الاغاني في قالب المالوف والزجل في النمط الاندلسي. ومن كلمات الدكتور علي الورتاني غنى زياد «لو يجيبو لي» وكرم بها والدته وكل امهات العالم. وأضاف لهذه الاجواء الجميلة «علاش تحير قلبي» و«اللي تعدى وفات زعمة يرجع» و«حبك كم معيارو» و«با اللي تمني بالفم» و«من جار عليي قتلني» و«ترهويجة» و«عزيز قلبك» و«روح من السوق عمار» و«خالي بدلني» وختم ب «يا عاشقين» وقد كانت الساعة تشير الى قرابة الواحدة بعد منتصف الليل والجمهور متسمر في مكانه لا يريد ان يغادر الى ان نهض زياد وبقية عناصر الفقرة ليودع على امل لقاء قريب. منغصات لا علاقة لها بالعرض الحفل كان ناجحا بجميع المقاييس ولكن ما نغصه هو اكتشاف الجمهور ان الطابق العلوي لفضاء مسرح الأوبيرا تقريبا غير صالح للاستعمال لان صفوفه الامامية لا تسمح برؤية الركح وصفوفه الاخيرة كراسيها غير مريحة وضيقة جدا وهي ايضا لا تسمح برؤية ما على الركح الا بصور بعيدة جدا وصغيرة. هنالك جمهور لاحظ قلة التنظيم عند الدخول وعدم ترقيم الكراسي واضطر البعض للجلوس في أماكن لا علاقة لها بثمن التذكرة وهي 30 دينارا واشتكى آخرون من عدم وجود مسلك لذوي الاحتياجات الخصوصية خاصة عندما رؤوا شابا يحاول جاهدا الوصول الى القاعة بعكازين وقد تعذر عليه على ما يبدو استعمال المصعد ولعل وزارة الشؤون الثقافية تتلافى هذه الاشكالات قبل تسلم الاجزاء الاخيرة من المدينة.