سعيد ومحظوظ ذاك الجمهور الذي تابع حفل افتتاح الموسم الثقافي الجديد لجمعية قرطاج للمالوف والموسيقى بقيادة الفنان الأستاذ زياد غرسة يوم الجمعة بالمسرح البلدي بالعاصمة فقد قطع لأكثر من ساعتين مع الهمّ والغمّ والنكد الذي يعيشه ويتحمّله ممّا تبثه الإذاعات والفضائيات من نشاز في العزف والأداء وسبّ وشتم وتهديد ووعيد في الكلمات وانتشى بالعزف الرّاقي والأصوات المصقولة والصّافية والصّورة الجميلة ..صورة تونس التي أحببناها والتي توشك أن تضيع والأسباب لا تخفى عن أحد .. إننا لا نبكي على الأطلال حين ننتشي ونفرح بالاستماع إلى تراثنا الموسيقي لأن فننا الأصيل حي ويتواصل ويمتدّ للمستقبل ويجدّد جمهوره ويشبّبه بفضل فنانين آمنوا به وتفانوْا في الدّفاع عن هويتنا الموسيقية وأصرّوا على خوض معركة شرسة مع النماذج الموسيقية المتعدّدة التي أصبحت تكتسح السوق وتضيّق عليه الخناق ..فنانون أشاحوا يوجهوهم عن الشهرة والانتشار العربي والعالمي ونذروا أنفسهم لإعادة البريق لإرثنا الموسيقي وإخراجه من الصالونات وقاعات العرض الضيقة وحفظه من النسيان وهذا ما سعى إليه الفنان زياد غرسة سواء عندما أخذ المشعل على والده المرحوم الطاهر غرسة أو عندما أدار الرشيدية أو الآن وهو يقود تخت جمعية قرطاج للموسيقى التونسية التي تأسّست في العام الماضي لإنقاذ تراثنا الموسيقي والمالوف بصفة خاصة والارتقاء به وتقريبه من آذان الشباب واهتمامهم . تحية للرّاحل قدور الصرارفي جمعية قرطاج للمالوف والموسيقى التونسية تحاول رصد المنجز وتقرأ قراءة موضوعية علمية مواطن النقص والخلل ثم تصوغ هذا المنجز فنيا بفرقة موسيقية كبيرة وكورال يقوده زياد غرسة لتحفظه في الأخير من الاندثار بإنشاء مكتبة موسيقية تونسية تفتح أبوابها لطلبة وأساتذة الموسيقى ولكل الجمهور التونسي الراغب في الاطلاع . إذن بحضور أغلب أعضاء الهيئة المديرة وعلى رأسهم رئيس جمعية قرطاج للمالوف السيد محمد الأمين الكواش وعدد من الفنانين والأستاذة أمينة الصرارفي افتتح الفنان رؤوف بن عمر المستشار الفني للجمعية سهرة أوّل عروض هذا الموسم الجديد 2013/2014 وهي 13 عرضا بمعدّل عرض في كل شهر تقدّم كلها في المسرح البلدي بالعاصمة وأعلم الحضور ببعث الجمعية لناديين الأول لتعليم الغناء وخاصة المالوف يديره زياد غرسة ينشط مساء كل أربعاء بداية من يوم 6 نوفمبر والثاني لتكوين العازفين على آلات العود والكمنجة والناي . ثم اسند الكلمة للتخت الموسيقى فكانت سماعي في طبع رصد الذيل تلاه استخبار على آلة العود العربي في طبع رصد الذيل لزياد غرسة وبطايحي زمان الانشراح و فوندو شوشانة مطرز استقبل بتصفيق حار ومحبة خالصة لزياد من جمهور توافد على المسرح البلدي حتى من داخل الجمهورية لا من ولايات تونس الكبرى وحدها .. جمهور من كل الفئات العمرية أعجب بالسهرة فلم يكتف بالتصفيق والتمايل مع النغمات- كما تعوّد- لان للمسرح البلدي هيبة تجعل هذا الجمهور يحجم ولا يسمح لنفسه بالرّقص فيطيل التصفيق أما النساء فتواجهن روعة الموقف بالزغاريد التي يحبها زياد ويتسلطن بعدها بل وقف للرقص. اكتشاف الأصوات الجديدة زياد غرسة لم يعزف ولم يغن فقط وإنما قدم للجمهور وللفن التونسي هديتين وصوتين جميلين هما صوتا محمد علي شبيل الذي غنى " لا نمثلك بالشمس ولا بالقمرة "وهي من كلمات حمادي الباجي والحان الرّاحل قدور الصرارفي وأبدع في أدائها بعد أن أضاف لها زياد توزيعا جديدا وصغيرا دون أن يمسّ بالجوهر وقدّمه هدية لامينة الصرارفي مساهمة منه ومن جمعية قرطاج للمالوف في الاحتفال بمئوية الفنان قدور الصرارفي. والهدية الثانية التي ألهب التصفيق لها أكف الجمهور هي المطربة آية دغيج التي أدّت بصوت شجي وصاف " عمري راح في الغربة " بتوزيع وإخراج جيّدين ابدعهما شيخ المالوف زياد غرسة واغنية "يا خموري " واكتشاف الاصوات من أهداف جمعية قرطاج للمالوف حيث يعمل زياد غرسة على البحث عن الشباب المبدع في كل أنحاء البلاد لاكتشاف المواهب وتقديمها وقد اكتشف صوت آية في مهرجان صليحة . وبذكاء وقاد ومعرفة بنفسية التونسي وما يعانيه من صعوبة المرحلة التي نمر بها وب "فاح العنبر فاح " و"يا نهار البارح " و"حبك في كنيني" وعدد من الأغاني ذات الإيقاع الخفيف الذي يفرّج الكرب ويمحو الحزن ويشعّ الفرح والانشراح في النفس ممّا يحبه التونسي ويطلب سماعه حتى في حفلات الأعراس ختم زياد غرسة حفل الافتتاح هذا. ودون ان يقدّم فيه الجديد كما عوّدنا عندما كان في الرشيدية ولعله لهذا السّبب وصفه بحفل "الانشراح " الذي أدخل به الجمهور في بحر المالوف بقراءة أخرى على حد تعبيره وتصوّر جديد في الأغاني والمقدمات واعدا بتقديم الجديد للجمهور الذي سيتابع حفلاته الشهرية القادمة.