مع نهاية هذا اليوم سيكون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان امام خيارين: اما فوز حاسم من الجولة الاولى في سباق الانتخابات الرئاسية بما يعزز معه سلطاته الرئاسية الموسعة ويحقق طموحاته باستعادة واحياء أمجاد الامبراطورية العثمانية المنهارة، وإما فوز مؤجل الى جولة ثانية قد تكون على غير ما يطمح اليه، بسلطات مقيدة بوجود معارضة برلمانية شرسة ومتأهبة لتقييد صلاحياته... نحو ستين مليون ناخب في تركيا وخارجها مدعوون اليوم الى صناديق الاقتراع في انتخابات سابقة لموعدها بسنة ونصف كان دعا لها الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان معولا بذلك على تعزيز صلاحياته بعد نتائج الاستفتاء الحاصل على الدستور والذي يتجه لاعتماد النظام الرئاسي بدل النظام البرلماني... الواقع أن الانتخابات التركية الحالية تعد حسب الملاحظين أهم موعد انتخابي منذ اقامة الجمهورية التركية من قبل الزعيم اتاتورك ولم يسبق لأي موعد انتخابي أن حظي بما تحظى به انتخابات اليوم من اهتمام في مختلف الاوساط الاعلامية العالمية، ولكن أيضا في مختلف الدوائر السياسية والعواصم العالمية التي تتطلع الى النتائج القادمة من تركيا البلد الاسلامي الوحيد العضو في منظمة الحلف الاطلسي منذ خمسينات القرن الماضي والطامح للفوز بالعضوية المؤجلة في الاتحاد الاوروبي بالنظر الى تراجع سجله في مجال الحريات... وهي محطة انتخابية مصيرية أيضا بالنسبة للمعارضة في تركيا التي تأمل في لجم طموحات أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يقوده والتي ستفصل بين مرحلة النظام البرلماني والرئاسي بعد اعتماد دستور أردوغان بأغلبية بسيطة تعكس الانقسام الحاصل في تركيا.. تركيا قبل وبعد الانقلاب وربما كان في حسابات أردوغان أن التبكير بالانتخابات التشريعية والرئاسية بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة لن يمنح المعارضة فرصة تنظيم صفوفها والاستعداد للموعد الانتخابي لمنافسة حزب العدالة والتنمية الذي يمتلك الة اعلامية متنفذة استطاعت الهيمنة على المشهد طوال الحملة الانتخابية ما جعل بقية الاطراف التي تخوض السباق الانتخابي الذي يجري في ظل قانون الطوارئ تلجأ الى المواقع الاجتماعية في حملتها التشريعية والرئاسية.. ويظل الامر الاكثر اثارة في هذه الانتخابات مرتبط بالمشهد التركي قبل وبعد الانقلاب، اذ ومنذ جويلية 2016 أصبح استهداف كل من يمكن أن تلاحقه شكوك من قريب او بعيد بالمتهم المفترض بتدبير الانقلاب عبد الله غولن اللاجئ في الولاياتالمتحدة امرا مباحا حيث باتت تركيا أشبه بسجن مفتوح للصحفيين والجامعيين والمدرسين والحقوقين ولكن ايضا للأمنيين والقضاة، بل ان بعض الاحصائيات تشير الى أن أكثر من 107 آلاف من وظائفهم في القطاع العام ... نتائج الانتخابات التركية مسألة تثير اهتمام أكثر من طرف لا سيما أنصار الاسلام السياسي الذين يرون في تركيا النموذج المطلوب لفرضه في الغرب ودفع المتطلعين اليه للاقتداء به بحثا عن استقرار لم يتحقق في أكثر من بلد بعد موسم الربيع العربي وما رافقه من اهتزازات وصراعات واستنزاف على يد الجماعات الاسلامية المتطرفة ... ولا شك ايضا أن طموحات أردوغان السياسية العريضة وهو الذي بنى مسيرته انطلاقا من رئاسة بلدية اسطنبول منذ 1994 التي مهدت له رئاسة الحكومة لمدة أحد عشر عاما وما تحقق خلالها من نمو اقتصادي عزز مكانة تركيا اقليميا ودوليا ومهد لتوسيع امال أردوغان في الفوز بسلطات أوسع.. ومن هنا ربما وجب التوقف عند تصريحات الرئيس التركي قبل الصمت الانتخابي بمحاولة استمالة الناخبين وأنصار حزبه باعتماد خطاب يشيطن منافسيه ويلمح «بأن التصويت للمعارضة في الانتخابات التشريعية والرئاسية الرئاسية حرام شرعا»، وفق ما نقلته صحيفة زمان التركية عن أردوغان خلال حملته الانتخابية جنوبتركيا ومخاطبته مرشح حزب الشعب الجمهوري محرم إينجه: «أنتم يا أعداء الحجاب، هل قمتم بحل أي مشكلة حتى الآن، تلتقطون صورا كثيرة داخل المساجد في هذه الأيام من أجل جمع المزيد من الأصوات». وأضاف «لقد قال إينجه قبل أيام قليلة لا أستطيع الذهاب إلى المساجد كثيرا، ولكنني أصلي الجمعة كل يوم. هل سمعتم ذلك؟ لذلك عليكم أن تلقنوهم درسا وتلطموهم بالصفعة العثمانية»... وفي ذلك ما يجعل أردوغان في نظر الكثيرين رئيسا لأنصاره بدل ان يكون رئيسا لكل الاتراك ... ورقة الاقتصاد لا تزال ورقة الاقتصاد لصالح أردوغان ويمكن ان تحدد خيارات الناخبين المترددين الذيم لم يحسموا موقفا نهائيا، ولكن وبرغم نمو الاقتصاد التركي بنسبة 7,4 في المائة، فإن مخاطر التضخم والبطالة اللذين تجاوزت نسبة كل منهما 10 في المائة، ما زالت تشكل موضوعا مثيرا للجدل الى جانب قضايا اللاجئين السوريين في تركيا وتوجهات تركيا وصراعاتها الاقليمية ودورها في الازمة السورية وتدخلاتها في العراق والخلافات التركية الاوروبية.. وفي انتظار أن تتضح الرؤية ويقول الناخبون الاتراك كلمتهم النهائية تبقى التحديات التي تنتظر الرئيس التركي القادم أمنيا وسياسيا واقتصاديا تحديات جسام في منطقة ملتهبة، فتركيا تؤكد حسب تصريحات رسمية ان لها احد عشر قاعدة عسكرية مؤقتة شرق العراق كما ان رئيس وزرائها بن علي يلدريم اكد وان قوات بلاده تسيطر على 400 كيلومتر مربع شمال العراق في اطار العملية العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني الى جانب دورها في الازمة السورية المستمرة منذ سبع سنوات وما تحتمله من تحولات مرتقبة في ظل التقارب التركي الايراني الروسي بعد انفراج الازمة بين انقرة وموسكو على خلفية الطائرة الروسية ... المشهد التركي سيكون أكثر اثارة بعد انتخابات اليوم الاحد والتي ستحدد، ليس فقط صلاحيات الرئيس المطلقة، ولكن ايضا الرهانات والحسابات الاقليمية والدولية لبلد يحتل موقعا استراتيجيا بين آسيا وأوروبا.