الموعد اليوم في العاصمة الموريتانية نواكشوط حيث يفتتح نحو أربعين من الزعماء الأفارقة أشغال القمة الافريقية ال31 على وقع تحديات ورهانات غير مسبوقة أمام تفاقم مآسي اللاجئين والعابرين للصحراء في رحلة الموت المضنية بهدف الوصول الى الضفة الاخرى للمتوسط عبر السواحل الليبية أو التونسية... قمة تأتي غداة المخاض العسير للقمة الاوروبية من أجل التوصل الى اتفاق هش حول ملف المهاجرين غير الشرعيين، ولا شك أن لحضور الرئيس الفرنسي ماكرون اليوم قمة نواكشوط ما يعني أن قائمة الاستحقاقات أمام الزعماء الأفارقة لن تكون من دون ضغوطات أو تدخلات خارجية بحثا عن التخلص من اعباء سفن الموت وآلاف اللاجئين اللاهثين وراء فرصة للحياة في أوروبا... من الواضح أن الساعات التي سبقت افتتاح القمة الافريقية حملت في طياتها مزيد المآسي والمحن أمام تواتر أخبار الغرقى والتائهين في عرض المتوسط مقبرة المهاجرين... وقد بات المشهد الجديد اشد وطأة وأكثر صدمة مما سبق، ولاشك أن حادثة الامس التي شهدت غرق اطفال رضع وعشرات آخرين من المهاجرين من مختلف الاعمار والجنسيات تدون لمرحلة خطيرة غير مسبوقة من التطبيع مع المآسي والكوارث الانسانية التي يعجز المجتمع الدولي وصناع القرار فيه عن منعها أو حتى الحد منها... بالأمس كانت الصورة محملة بجرح غائر لن يندمل، جرح يعيد رسم صورة ايلان الطفل السوري الغريق على أحد الشواطئ التركية بعد أن جرفته أمواج البحر ليختزل بذلك مصير المئات من الضحايا ممن لم يكتب للعالم الوقوف على مأساتهم... بالأمس ومرة أخرى رفضت ايطاليا السماح لقارب محمل باللاجئين من الوصول الى سواحلها بعد أن طالبت بإقامة مراكز مغلقة للاجئين قبلت بها فرنسا وألمانيا على مضض... الحقيقة أن بين مشهد سفن الموت العابرة للمتوسط وبين لقاء القمة الافريقية في موريتانيا اليوم أكثر من تحد مشترك، فالدول المعنية مطالبة اليوم أكثر من اوروبا بدور أكثر فاعلية في التصدي لهذه السفن والضلوع بدور أوسع لرصدها ومنع وصولها الى السواحل الاوروبية... وهو أحد الملفات الحارقة الى جانب بقية الملفات الامنية التي تنتظر قمة نواكشوط للبحث في الوضع الامني في دول الساحل والصحراء والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة وما يتفرع عنها من شبكات ارهابية وجماعات مسلحة تستوطن مناطق كثيرة في افريقيا ك»الشباب الصومالي» و»بوكو حرام النيجيرية» و»القاعدة في المغرب الاسلامي» وما يرتبط بها من شبكات الموت في الجوار الليبي المستباح... وفي خضم كل ذلك فقد يكون الحديث عن ادراج قضية الصحراء الغربية والصراع الازلي بين المغرب والجزائر مسألة لن تذهب بعيدا بالنظر الى تصلب المواقف وغياب البدائل العملية وفشل كل محاولات الوساطة في تجاوز الازمة بين الاخوة الاعداء وما تعنيه تداعيات غياب الحل من اضاعة للفرص واهدار للإمكانيات في المنطقة المغاربية المحكومة بخلافاتها... الواقع ايضا أن الحديث عن سوق افريقية مشتركة على غرار دول الكومنوالث يظل شعارا جميلا ومغريا ولكنه لن يخرج من إطار الاوراق البحثية طالما ظل الفساد والظلم والاستبداد والتمييز قائما في اغلب الدول الافريقية، التي ورغم ما تختزنه اراضيها من ثروات طبيعية باطنية، تظل عنوانا للفقر والجهل والاوبئة والتخلف وانتشار السلاح والفوضى... الاكيد أن امكانيات الاتحاد الافريقي مسألة مصيرية في تنفيذ برامج الاصلاح والمشاريع المستقبلية لولا أن ميزانية الاتحاد الافريقي - الذي يجمع 55 بلدا - والتي تبلغ 769 مليون دولار متأتية في جزء كبير منها من الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة والامم المتحدة الى جانب مساهمات من خمس دول فقط هي جنوب أفريقيا والجزائر ومصر والمغرب ونيجيريا... وفي ذلك ما يمكن أن يختزل دور الاتحاد الافريقي وتوجهاته في قارة مثقلة بالأزمات والهموم حتى أنها تعد من أكبر الاعباء على العالم..