كل التحركات الاوروبية تصب في اتجاه واحد وهو التهرب من عبء اللاجئين والتخلص من المسؤولية السياسية والقانونية والاخلاقية بكل الطرق المتاحة وحتى غير المتاحة لمنع سفن الموت من الوصول الى الضفة الاخرى للمتوسط... فبعد ثلاث سنوات على صورة جثة الطفل السوري ايلان وقد لفظها البحر لتجثو هامدة على أحد الشواطئ التركية وما رافقها من ردود فعل دولية وحقوقية خلنا معها أن الضمير العالمي قد استفاق من غيبوبته وأنه قرر بعد طول انتظار التحرك الحد من مآسي اللاجئين المتكررة في المحيطات والبحار ولا سيما البحر المتوسط الذي تحول الى مقبرة للمهاجرين والحراقة اللاهثين وراء السراب... ولكن المشهد المأساوي للطفل ايلان تحول الى مشهد يومي لآلاف الاطفال السوريين وغير السوريين ممن ابتلعهم البحر أو كتب عليهم أن يتحولوا الى وقود للصراعات المستمرة في أوطانهم وما تفرزه من مجاعات وانتشار للأوبئة والخراب والدمار ومن تجهيل ومن مصادرة للحق في الحياة والسلام والمعرفة والتعليم... نقول هذا الكلام وفي البال ما تعيش عليه الدول الاوروبية من جولات مكوكية للمسؤولين الاوروبيين ومن قمم ولقاءات خلف الكواليس بحثا عن حلول لازمة المهاجرين التي باتت كابوسا يزعج القادة الاوروبيين لا سيما في الدول الاوروبية حيث باتت أحزاب اليمين المتطرف تحتل مواقع متقدمة في الحكومات الائتلافية وتسعى الى فرض رؤيتها وسياستها الانتقائية والعنصرية لحل ازمة اللاجئين. ومن هنا كانت جولة المستشارة الالمانية انجيلا ميركل الى الاردن ولبنان وقبل عام الى دول المغرب العربي وتحديا تونس والمغرب والجزائر بحثا عن اقامة مراكز لإيواء اللاجئين ومنع وصولهم الى اوروبا وهو ما لم توفق فيه وجعلها تعيش اليوم وضعا لا تحسد عليه أمام ضغوطات الائتلاف الحاكم في المانيا ومحاولات وزير الداخلية الالمانية هورست سيهوفر، زعيم الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري المكون الأساسي في الائتلاف الحكومي الهش، لدفعها الى التخلي عن سياستها في استقبال اللاجئين... وربما تجد ميركل نفسها مدفوعة الى تبني سياسات مناقضة لتوجهاتها في حال باتت مسيرتها مهددة. ولاشك أن في موقف وزير الداخلية الايطالي ماتيو سالفيني الذي يعكس عداء معلنا للمهاجرين ما يؤشر الى توجه اوروبا للبحث عن تصدير ازمة اللاجئين وتحميلها للدول غير الاوروبية بدعوى أنها دول العبور، وقد جسدت أزمة سفينة اكوايروس التي رفضت ايطاليا استقبالها وانقاذ من فيها من ركاب وقبلت بها اسبانيا تداعيات ومخاطر أزمة اللاجئين في العالم... كما جاءت القرارات الخطيرة والمهينة التي اعلنها المجر للتصدي لسفن الموت والمصادقة على تقنين ملاحقة المنظمات الحقوقية التي تساعد اللاجئين لتعكس تخلي أوروبا عن الجانب الانساني وعن جزء لا يتجزأ من القيم والمبادئ التي قامت عليها في دعم الحريات التي طالما روجت لها.. طبعا سيكون من السذاجة انكار حق الدول المعنية بخطر تدفق اللاجئين في حماية مصالحها وحدودها وضمان أمن شعوبها من تسرب المتشددين والارهابيين اليها بمساعدة تجار البشر وعصابات المخدرات والسلاح، ولكن، وهذا المهم، لا يمكن لأوروبا كما لأمريكا أن تنفض يديها عن هذا الملف وتتنصل من مسؤولياتها وتحمل الدول الاضعف مصير هؤلاء... وهوما يعني صراحة أنه سيكون لزاما على الدول المعنية وتونس إحداها أن تقبل بدور الشرطي الامين والحارس للسواحل الاوروبية وأن تحل محل الدول الغربية المنقسمة في سياساتها وخياراتها في دفع ثمن أحد أخطر وأعقد القضايا الانسانية العالقة، والتي لا يمكن أن تكون دول الاتحاد الاوروبي مجتمعة بريئة كل البراءة ازاء الاسباب والدوافع التي كانت ولا تزال وراءها. نعم لقد ساهمت الدول الاوروبية ومعها القوى الدولية الكبرى في تفشي أزمة اللاجئين وهي التي تجاهلت كل المؤشرات والرسائل بشأن المخاطر القادمة بل وحرصت في أكثر من مناسبة على تأجيل الحلول المتاحة وعرقلة التسويات المطلوبة لتجنيب الشعوب المعنية مزيد المآسي.. ولا يمكن بأي حال من الاحول للحلفاء الغربيين أن يحملوا مسؤولية فشلهم وعجزهم للدول الضعيفة التي استنزفوا خيراتها خلال المراحل الاستعمارية وتخلوا عنها لا حقا... مع الإقرار بأن هذا لا يعني اعفاء الدول المعنية بظاهرة الهجرة وحكوماتها الغارقة في الفساد والاستبداد من المسؤولية في دفع شعوبها الى قوارب الموت في رحلة المخاطر اليومية...