يجمع قادة الحلف الاطلسي على أن أسوأ ما يمكن أن يتعرضوا له خلال قمتهم المرتقبة في غضون ساعات بالعاصمة البلجيكية بروكسيل، أن يتجه الرئيس الامريكي دونالد ترامب لتكرار مهزلة سيناريو قمة مجموعة السبع وأن يعمد، على غرار ما أقدم عليه في كندا، الى توجيه اهانة جديدة لشركائه في الحلف الاطلسي ويتراجع بالتالي عن توقيع البيان الختامي لقمة بلجيكا، تماما كما حدث قبل أسابيع في قمة مجموعة السبع الاقتصادية عندما سحب توقيعه عن الاتفاق موجها بذلك صفعة غير متوقعة للمشاركين في القمة بعد تجرأ رئيس الوزراء الكندي ترودو على اعلان فرض ضرائب على البضاعة الامريكية وفق مبدأ المعاملة بالمثل لتبدأ معها بوادر الحرب التجارية التي تسبق قمة الناتو لهذا الاسبوع ... مخاوف الدول الاعضاء في الحلف الاطلسي ليست من فراغ وهي تستند الى المواقف المزاجية للرئيس الامريكي الذي بات يعرف بتقلباته ومواقفه غير المحسوبة التي باتت تحرج مساعديه في البيت الأبيض، ولكن أيضا شركاءه في التحالفات الاقليمية والدولية وهو ما حدث خلال قمة المناخ في فرنسا والتي من شأنها أن تدفع كل الاطراف المعنية الى توقع ما لا يمكن توقعه من الرئيس الامريكي خلال القمة التي تعد أكبر حلف عسكري لأمريكا وأوروبا وهو ما يعرف بالحلف الاطلسي الذي تأسس ردا على حلف فرصوفيا قبل سبعة عقود ... والمخاوف لا تتوقف عند هذا الحد بل تذهب الى أبعد من ذلك حيث يجمع قادة الحلف الاطلسي على أنه سيكون من الصعب استشراف ما سيكون عليه مواقف الرئيس الامريكي من الملفات الحساسة والشراكات التقليدية داخل الحلف الأطلسي، والذي وإن بقى وفيا لاهم المبادئ التي تأسس عليها في ضمان أمن وسلامة دول الحلف، فإن انفتاح «الناتو» على أكثر من عنوان للشراكة وفق ما يعرف بمبادرة إسطنبول منذ 1994، وفي خضم المغامرات العسكرية المتكررة للحلف في منطقة الشرق الاوسط ومنذ التدخل في افغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر ثم تدخله في العراق في 2003 ثم التدخل في ليبيا في 2011، يجعل له دورا وموقعا يتجاوز حدود الاطار الجغرافي الذي يمثله. ولا شك أيضا أن العلاقة المتوترة بين الحلف وروسيا من شأنها أن تدفع الى اثارة أكثر من نقطة استفهام حول المخططات المستقبلية للناتو في سورياوالعراق وربما في ايران في مرحلة لاحقة أمام تفاقم الضغوطات على هذا البلد واصرار الرئيس الامريكي على التخلص من الاتفاق النووي الايراني، لكن أيضا في حوض المتوسط وفي ليبيا تحديدا. فليس سرا أن الحلف الاطلسي وبدفع من فرنسا كان وراء التعجيل بالتدخل غير المحسوب لإسقاط النظام في ليبيا ودفع هذا البلد للسقوط في فخ الفوضى وحرب الاستنزاف وانتشار السلاح والتدمير للمجتمع الليبي ... الواقع أيضا أن مختلف القمم السابقة على مدى العقد الماضي ظلت تراوح حول الملفات ذاتها حتى وان اختلفت الشعارات، وتبقى الحرب على الارهاب والجماعات المسلحة الهدف المعلن والتحدي الذي لا يزال يؤرق دول الحلف حتى وان تراجع حجم الخطر ... لقد وجد الرئيس الامريكي في عدم ترفيع الدول الاوروبية في مساهماتها للحلف ما يهاجم به قادة القارة العجوز ويتهمهم بالتواكل وعدم تسديد ما يكفي لحماية أمن أوروبا، وهو التوجه الابتزازي ذاته الذي اعتمده مع حكومات دول الخليج التي طالبها بدفع المزيد اذا كانت حريصة على بقائها واستمرارها... ولكن ما يفاقم المخاوف الاوروبية أن يتجه ترامب وخلال لقاءه الرئيس الروسي بوتين في هلسنكي عشية قمة الناتو الى اعلان تحالف روسي امريكي لا تنظر اليه اوروبا بعين الرضا وتعتبره تحديا للأمن الاوروبي لا سيما في مسألة ضم روسيا القرم والازمة في أوكرانيا.. أهمية قمة بروكسيل التي سيحتضنها المقر الجديد للحلف الذي استمر بناؤه عقدين من الزمن وتجاوزت تكاليفه 1,1 مليار أورو أنها ستكشف للعالم عن مقر التحركات العسكرية للحلف ومنطلق كل التدخلات المحتملة في مختلف الازمات في العالم لا سيما منطقة الشرق الاوسط وما يمكن أن تؤول اليه تطورات الاوضاع في الملف الايراني، والعراقي والسوري ولكن ايضا الليبي الذي كان الناتو العقل المدبر فيها ... الخطة 30-30-30–30 قبل اسبوع فقط على الموعد الحدث أزاح وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي الستار عن خطة مستقبلية لتعزيز وجود الحلف في اوروبا في حال وقوع أي خطر داهم من خلال الخطة 30-30-30-30 والتي تعني بلغة العسكريين نشر 30 كتيبة جنود، و30 سرب طائرات، و30 سفينة حربية خلال 30 يوما، وهي الخطة المقرر أن تكون جاهزة بحلول 2020 ... وقال الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ في ذلك «قررنا اتخاذ خطوات إضافية لتعزيز الأمن المشترك والدفاع والردع ضد التهديدات من أي اتجاه وضمان أن لدينا القوات الصحيحة في المكان المناسب في الوقت المناسب». صحيح أن هناك أزمة بين الحلف وروسيا منذ توسع الحلف باتجاه حدود الاتحاد السوفياتي السابق لضم جمهوريات سوفياتية سابقة، وصحيح أن الازمة تعمقت مع اقدام روسيا على ضم جزيرة القرم الاوكرانية قبل ثلاث سنوات، ولكن كل ذلك لا يعني بأي حال أن الامر يمكن أن يصل حد المواجهة العسكرية. ولكن الاكيد أن الصراع الاطلسي الروسي يظل صراعا حول نفوذ وهيمنة القوى الكبرى على المناطق الاستراتيجية والمنافذ البحرية التي تضمن السيطرة على الموانئ المتحكمة في شريان التجارة العالمية وبالتالي ما يساعد على ادارة والتحكم في الحروب المستقبلية المحتملة... ما يثير الاهتمام أيضا ما نشرته القيادة العسكرية الامريكية أن حروب المستقبل ستكون حروبا شاملة تستوجب تحركات برية وبحرية وجوية في مواجهة ما يوصف بالحروب الرقمية والسيبرانية بالإضافة الى حروب الفضاء المحتملة أو الحروب التي تدار بالوكالة، وهو أيضا ما يستلزم شكلا جديدا من الجيوش تتصف بالسرعة والقدرة على التحرك والانتشار السريع والمناورة، وهي عقيدة التدريب الجديدة للقوات الامريكية المطلوبة التي تقوم على التفوق بين 2025 و2040 لمواجهة مخاطر الارهاب وشبكات التهريب والسلاح وتجار البشر، ولكن أيضا كل ما يساعد في استباق الاحداث والازمات واعادة رسم خارطة العالم وفق تصورات صناع القرار فيه ومهندس مكنة الحلف الاطلسي ومموليه...