إن تطبيق تقييم وطني لمكتسبات التلاميذ في مرحلتين مهمتين من المسار التعليمي المدرسي منتصف ونهاية التعليم الأساسي لهو أمر بالغ الأهمية. بفضله تقيم المنظومة التربوية نفسها من خلال تقييم مكتسبات أبنائها وبناتها فتراجع النقائص التي تكشفها تلك التقييمات وتصلح أو تغيير ما يلزم إصلاحه أو تغييره. لكن هذا التقييم ونعني بذلك مناظرتي «السيزيام» و»النوفيام « أفرز هذه السنة نتائج تستحق أن نقف عندها بالتحليل. النتائج كشفت التراجع إن أول ما يلاحظ في الإحصائيات المعلنة تدني النتائج العامة في «النوفيام « و»السيزيام» إلى مستوى يثير القلق مقارنة بالدورات السابقة. وما يلاحظ ثانيا هو تدني النتائج في المواد الأساسية،الرياضيات والعلوم والعربية، ويبدو أن هذا الأمر يتكرر منذ الدورات السابقة. وكذلك الأمر في المواد العلمية (الرياضيات والايقاظ العلمي) بالنسبة للسيزيام. فالاستنتاج الأول أن المنظومة التربوية لم تمكن عددا هاما من تلاميذها من اكتساب المواد الأساسية الثابتة في تكوينهم المدرسي في هذا المستوى وهي الرياضيات واللغة الأم والعلوم خاصة بالنسبة للمرحلة الأولى من التعليم الأساسي. فإذا لم تكن المدرسة قادرة على تمكين كل تلاميذها من تلك الأسس فهل حققت مهمتها؟ أما الملاحظة الثالثة فتتعلق بعدد التلاميذ المتميزين الذين تمكنوا من تحقيق نتائج تخول لهم الدخول إلى الاعداديات أو المعاهد النموذجية وكانت النتائج أيضا مخيبة. وحسب الأرقام المعلنة لم يستطع التعليم الأساسي تخريج النخبة المطلوبة في امتحان «النوفيام» (الحاصلون على معدل يساوي أو يفوق 15 من 20) لتغطي المقاعد التي خصصت لها في المعاهد النموذجية والمقدرة ب3150 . فقد بلغ عدد هؤلاء 1364 تلميذا وتلميذة من جملة حوالي 26 ألف اجتازوا المناظرة نجح منهم 11964 أي أن نسبة تلاميذ النخبة أو المتميزين تقدر ب 0,11 % من مجموع الناجحين وستقلَ النسبة كثيرا لو اعتمدنا في حساب النسبة على عدد المترشحين والمقدر بحوالي 31 ألفا أو عدد المرسمين في التاسعة أساسي والمقدر هذه السنة بحوالي 120 ألف. أما بالنسبة ل«السيزيام» فالأمر لا يختلف كثيرا فقد اجتاز الامتحان 51538 تلميذا وتلميذة للتنافس حول 3725 مقعدا بالاعداديات النموذجية نجح منهم 21791 لكن الذين حصلوا على معدل يساوي أو يفوق 15 من 20 يخول لهم الدخول إلى تلك الإعداديات لم يتجاوزوا 1660 تلميذا وتلميذة. أي بنسبة حوالي 0,07 % من مجموع الناجحين. كل هذا يعني أن التعليم الأساسي لم يتمكن من إكساب التلاميذ المعارف الأساسية وفي تخريج نسبة هامة من المتفوقين القادرين على الالتحاق بالتعليم النموذجي وقلَص من المتميزين . فما هي الأسباب؟ وما العمل؟ ما العمل؟ قبل البحث عن أسباب تدني المستوى هذا من الضروري التعرف إلى توزيع النتائج حسب الجهات وداخل الجهات حسب المؤسسات التربوية لعل التفاوت الجهوي يكون عاملا من العوامل التي أدت إلى تلك النتائج مثلما ظهر ذلك في نتائج البكالوريا . ومن الأسباب الأخرى التي من الضروري دراستها تلك التي تتعلق بالتقييم نفسه فهل أن الامتحان في بعض المواد لم يكن يتماشى مع المحتويات المعرفية التي درسها المتعلم في القسم ومع مستويات التلاميذ الذين سيجتازونه؟ وهناك الأسباب التي تتعلق بالمدرسين من جهة تكوينهم لإعداد التلاميذ لمناظرة وطنية أو المدرسين الذين يتعاطون الدروس الخصوصية ويركزون عادة على نماذج من التمارين يتدرب عليها التلميذ على أساس أن الامتحان الوطني سيكون مشابها لها لكن عندما لا يشبه الامتحان الوطني تلك النماذج التي حفظها التلميذ في الدرس الخاص يصيب المترشح للامتحان الإحباط ويعجز عن الإجابة، علما أن العديد من الحاصلين على البكالوريا بامتياز من شعبة الرياضيات والموجهين إلى الشعب الهندسية يجدون صعوبة في التأقلم مع طريقة تدريس الرياضيات وطريقة وضع الامتحانات التي لا تعتمد على النماذج كما تعودوا في المعهد وفي الدروس الخصوصية وانما تعتمد على الذكاء والتحليل والفكر المنطقي. وهناك سبب آخر من الضروري مراعاته وهو الظروف التي مرت بها السنة الدراسية وكثرة الإضرابات واضطراب التعلَم مما يؤثر سلبا على تحصيل التلميذ وتركيزه. وأخيرا لا ننسى أن عملية التقييم من أهدافها المساعدة على اتخاذ القرارات. وهذه النتائج فرصة لاتخاذ قرار يعيد للمنظومة التربوية التونسية رونقها ولأبنائها تميزهم. * باحث وخبير تربوي