نعود للحديث مرة أخرى عن التوزيع الزمني للدراسة بالنسبة للسنة الدراسية القادمة 2018 – 2019 بعد تصريح وزير التربية بإعادة تطبيق نظام الثلاثيات والتخلي عن نظام السداسيات الذي كان أقره الوزير الأسبق للتربية السيد ناجي جلول وأثار كثيرا من الجدل وخاصة بالنسبة لنظام التقييم . فكيف يحقق هذا التوزيع أهداف التعلم المرجوة؟ زمن التعلم المناسب إن توفير الظرف الزمني المناسب الذي يمكَن التلميذ من تعلم جيد أمر مهم لكن طريقة تنظيمه تختلف من منظومة إلى أخرى لأن لكل تنظيم آلياته المتعلقة بالعطل والامتحانات وفترات الدراسة اليومية والأسبوعية . وإحكام ذلك التنظيم عامل مؤثر في نجاح العملية التعليمية التعلَميَة داخل القسم وعلى الرفع من مردوديّة المنظومات التربوية وأدائها. فمراجعة التوزيع السنوي للدراسة ما الغاية منه سوى البحث عن الظرف الزمني المناسب لتعلم التلميذ مهما كان سنه أو مستواه الدراسي. ندرس هذا الموضوع في ضوء البحوث التربوية الحديثة المتعلقة ب "التوقيت البيولوجي للمتعلم" و"التوقيت النفسي للتعلم" والتي تراعي الخصائص البيولوجية ذات العلاقة بتكوين المتعلم وبقدراته من حيث الذاكرة والانتباه والفهم والاستيعاب.. وقد قدمت نتائج مفيدة جدا في هذا المجال من حيث مدة تركيز التلميذ في الحصة التعليمية الواحدة وعلاقة التوقيت بالمادة المدرسة وأيضا توزيع فترات الراحة بالنسبة للتلميذ… إشكاليات سابقة عاشت المنظومة التربوية في الفترة الماضية -عندما كان التوزيع يعتمد الثلاثيات- عدة إشكالات من الضروري اليوم إيجاد حلول لها قبل العودة لتطبيق هذه المنظومة من جديد. وتتعلق تلك الاشكالات بعدم التوازن في توزيع عدد أيام الدراسة بين الثلاثيات ، إذ كان الثلاثي الأول يمتد حوالي ثلاثة أشهر والنصف بينما لا يتجاوز الثلاثي الأخير الشهرين . ومن المؤكد أن لهذا الخلل تأثيرا سلبيا على توزيع المحتويات التعليمية طوال السنة الدراسية مما يولد صعوبات لدى التلاميذ الأقل استيعابا وتركيزا قد تنتهي بفشلهم في الدراسة . وتعلقت الاشكاليات أيضا بعمليات التقييم خلال السنة الدراسية أو في نهايتها واعتماد الاسبوع المغلق والأسبوع ما قبل المغلق في التقييم مما يجعل التلميذ يواجه ثلاث فترات تقييم في السنة وما يسبقها من تركيز ومراجعة مكثفة ترهق كاهله خاصة لعدم توفر الوقت الكافي لفهم واستيعاب المكتسبات المعرفية جيدا والتعمق فيها استعدادا للامتحان . وانجر عن هذا التمشي خسارة التلميذ لعديد أيام التعلم مما جعل عدد أيام التعلم في منظومتنا تقل بكثير عن المعدل في المنظومات الدولية الناجحة (كانت في حدود 174 يوما في منظومة الأسابيع المغلقة أي حوالي 28 أسبوعا ) . ومن الاشكالات ربط العطل المدرسية بالعطل الوطنية والأعياد مما يساهم في عدم توازن السنة الدراسية . لذا ولإحكام التوزيع السنوي للسنة الدراسية وفق الثلاثيات من الضروري مراعاة مميزات هذا التمشي لعلاقته الوطيدة بنجاح الأداء المدرسي. مميزات نظام الثلاثيات أثبتت عديد الدراسات في علاقة بالتوقيت البيولوجي للتعلم أن قطع نسق السنة الدراسية بعطل مفيد جدا . وتؤكد تلك البحوث أهمية تمتع التلاميذ بعطلتين طويلتين خلال السنة الدراسية وبعطلتين قصيرتين في كل ثلاثي مما يزيد دافعيتهم للعمل . وبالتالي فصل الثلاثي الأول عن الثاني والثاني عن الثالث بعطلة تدوم أسبوعين وتمكين التلميذ ببضعة أيام راحة في وسط كل ثلاثي. ويشترط هذا التمشي أن تكون فترات الراحة والتعلم متقاربة كميا وبينها توازن. وقد توصلت البحوث في هذا المجال إلى عدة نتائج من أهمها أن تجاوب التلميذ مع التعلم بعد الراحة يكون أفضل وأن قطع نسق التعلم براحة مفيد جدا للمتعلم ونظر إلى أن فترة التركيز على التعلم لدى التلميذ هي فترة قصيرة أكدت تلك البحوث أن فترات التعلٌم القصيرة تشد انتباه المتعلم أكثر من الفترات الطويلة وتساعد التلاميذ الذين يعانون صعوبات (التلميذ بطيء التعلم) على الفهم والتجاوب مع المدرس. ولو أحكمنا هذا التقسيم بأكثر دقة لحصلنا على 3 ثلاثيات متساوية تقريبا يمكن أن نوفر للمتعلم فيها على الأقل 32 اسبوع دراسة في السنة الدراسية دون احتساب العطل أي 192 يوم دراسة . لكن هذا يتطلب مراجعة توقيت الامتحانات الوطنية وامتحانات آخر السنة والتخلي عن فكرة إنهاء السنة الدراسية نهاية شهر ماي بالنسبة لكل المستويات. علما أن معدل أسابيع الدراسة في المنظومات التربوية العالمية يقدر بما بين 32 و 34 أسبوعا خلال السنة الدراسية وتصل في بعض المنظومات خاصة في آسيا إلى 36 أسبوعا .. وهذا يمكن من زيادة عدد أيام الدراسة الفعلية في كل سنة دراسية للوصول إلى المعدلات العالمية. إن المراوحة بين العطل والدراسة على أساس التوازن الكمي بينهما وتوزيع البرنامج المدرسي بطريقة متناسقة هو أمر يفيد المتعلم ويقوي دافعيته للتعلم ويخفف الضغط النفسي الذي يمكن أن يحدث أثناء السنة الدراسية ويساعد الأولياء على متابعة تعلم أبنائهم، مما يضمن نسق تعلم أفضل للتلميذ ويضمن أيضا تناسقا بين فترتي التعلم والتقييم ويساعد على التصدي للفشل المدرسي . ولعل مرورنا من الحصة الدراسية الحالية بساعة إلى الحصة ب45 دقيقة كما في المنظومات الأنقلوسكسون سيكون تعديلا مناسبا لتعلم الناشئة يجعلنا نتحكم في عدد الحصص اليومية وفي الزمن المخصص للدعم أو للنشاط الثقافي والرياضي المدرسي. * باحث وخبير تربوي