أن يعتدي أمني على متظاهرين في اليوم العالمي للشغالين.. قد يبدو الحدث عاديا للوهلة الأولى فكم من الاعتداءات تستهدف المتظاهرين في مختلف أنحاء العالم في عيد العمال أو في الأيام العادية وكم من المتظاهرين يجدون أنفسهم ضحية العصا الغليظة للأمنيين الذين قد يعتبرون أنهم فوق كل القوانين وأن مجرد وضع الشارة الأمنية يمنحهم الحصانة من المتابعة، ولكن عندما يحدث ذلك في ظل نظام جمهوري كان ولا يزال يعتبر من الأنظمة الأكثر احتراما لقيم ومبادئ الثورة الفرنسية فتلك مسألة أخرى وعندما يتعلق الأمر بمستشار أمني للرئيس الفرنسي فالمسألة أيضا تكون أخطر وتداعيات الفضيحة أسوأ.. الأخبار القادمة من قصر الاليزيه تؤكد أن الرئيس الفرنسي الشاب ماكرون ليس في أفضل أحواله، وأن ما بات يعرف في الساحة السياسية والإعلامية الفرنسية بفضيحة بينالا مفتوحة على كل السيناريوهات أمام إجماع المعارضة الفرنسية بشقيها اليمين واليسار في مجلس النواب الفرنسي على الاستماع للرئيس الفرنسي وكشف الحقيقة كاملة أمام الفرنسيين بشأن محاولات القصر الرئاسي التكتم على تورط مستشار ماكرون في الاعتداء على اثنين من المواطنين الفرنسيين في عيد العمال العالمي، من الواضح أيضا أن مثول وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب لمدة ساعتين للرد على أسئلة النواب لم يساعد في طي صفحة الأزمة التي تعتبر الأسوأ للرئيس الفرنسي ماكرون منذ توليه الرئاسة قبل سنتين وهو الذي كان يعول على فوز الفريق الفرنسي بكأس العالم لتلميع صورته واستعادة شعبيته المهتزة أمام عدم التزام فريقه بوعوده الانتخابية.. ما كان يبدو بالأمس القريب مجرد حادث عابر يتنزل في إطار الممنوعات أو هذا على الأقل ما يبدو، بات قضية رأي عام وأزمة دولة، وزادت شهادة وزير الداخلية الفرنسي، جيرار كولومب، التي أدلى بها أمام النواب في تعقيد موقف الإليزي وحمل مؤسسة الرئاسة المسؤولية في التجاوزات الحاصلة.. المرشح السابق للانتخابات الرئاسية ميلونشون وصف القضية بأنها ترقى إلى «فضيحة ووترغيت» التي أطاحت بالرئيس الأمريكي نيكسون.. أما فرنسوا ماهون فقد ذهب إلى حد المطالبة بإقالة وزير الداخلية... وفي انتظار ما ستحمله الساعات القليلة القادمة يتواصل سيل الاتهامات الى الرئيس الفرنسي الذي يتهمه معارضوه بأنه يدير البلاد كما لو كان يدير مؤسسة مالية ... حتى الأمس لم يساعد خروج الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن صمته وتأكيده تحمل المسؤولية وحده بعد فضيحة الفيديو المتعلق بحارسه الشخصي في تجاوز أعقد أزمة له منذ توليه الرئاسة لا سيما بعد أن تحول الملف الى موضوع الساعة داخل البرلمان الفرنسي ومطالبة نواب المعارضة بتوضيح بشأن ما بات يعرف بفضيحة الكسندر بينالا ... ولا يبدو أن اعترافات الرئيس الفرنسي الذي أقر خلال تجمع لأعضاء البرلمان من حزبه بالمسؤولية وقال «أتحمل المسؤولية بمفردي، وبوسعهم أن يأتوا وينالوا مني. أنا أخضع للشعب الفرنسي» قد ساعد في طي الملف أو تجنب المزيد من الانتقادات لمؤسسة الرئاسة التي تجد نفسها في وضعية لا تحسد عليها بسبب الاستخفاف والتلكؤ في التعامل بما يقتضيه القانون وهنا مربط الفرس وأصل الداء بمعنى أن القضية الأساسية لا تتعلق بالأشخاص حتى وان كان المعني بالأمر رئيس الجمهورية ولكن المسألة تتعلق بثقافة مؤسسات الدولة وسلطة القانون وهيبة العدالة التي تنسحب على الجميع دون استثناء فتعلو على الأشخاص ولا يعلى عليها، وهذا ما حرك مختلف الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية وهذه النقطة الاهم في قضية الحال، وأما النقطة الثانية فتتعلق بدور الاعلام ومكانة السلطة الرابعة التي كانت وراء كشف اطوار الفضيحة مرة أولى عندما سجلت حادثة الاعتداء ومرة ثانية عندما تم الكشف عن صفة المعتدي الذي عاد الى ممارسة مهامه والظهور الى جانب الرئيس الفرنسي في المناسبات الرسمية وكأن شيئا لم يكن وهو ما قامت به صحيفة «لوموند» بكثير من المهنية بما يجعل السلطة الرابعة المكانة التي تستحق لدى الرأي العام ولكن أيضا في محاربة الرداءة والتصدي لمختلف مظاهر الفساد المالي والسياسي واستغلال النفوذ والتطاول أو التلاعب بالقانون...