علمت «الصباح» ان لقاء ثلاثيا متوقعا بين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي والامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي وذلك ايّاما قليلة بعد عيد الأضحى. ومن المنتظر ان يتناول اللقاء محاور أساسية وهي الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي خاصة بعد الانحرافات الاقتصادية للبلاد ومخرجاته الممكنة خاصة تلك الواردة في الوثيقة الصادرة عن اللجنة المنبثقة عن لقاء قرطاج الاخير والتي قدمت حلولا بالاضافة الى إمكانية اطلاق وتفعيل حوار اقتصادي واجتماعي ملزم للحكومة لانقاذ البلاد من الراهن الاقتصادي المتردي رغم التحسن الملحوظ في عدد من المؤشرات التي تبقى منقوصة مقارنة بتراجع قيمة الدينار في سوق الصرف، وتراجع حجم الاستثمار. وبعيدا عن تاثيرات الخارج، فان سياقات الإصلاح الاقتصادي في بلادنا باتت ضرورة عاجلة لإعادة الحد الأدنى من التوازنات، توازنات قد تخلص البلاد من تبعات الارتهان الى الجهات المانحة والمقرضة التي أخذت تضغط لرسم ملامح اقتصادنا الوطني. وإذا ما افترضنا جدلا أن مفهوم الإصلاح مازال ممكنا رغم الهزات الحاصلة والتصنيفات السوداء المتتالية فإن السؤال المحوري من أين نبدأ وكيف يمكن ان يتحقق هذا الإصلاح؟ حوار وطني اجتماعي واقتصادي بعد اعلان رئيس الحكومة يوسف الشاهد حربه على الفساد توجهت حركة النهضة وعلى لسان رئيس الحركة راشد الغنوشي، في حوار خاص لقناة "نسمة"، بتاريخ غرة أوت 2017، إلى تنظيم حوار وطني إجتماعي إقتصادي يجمع اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف واتحاد الفلاحين والأحزاب قصد إيجاد المخرج الآمن للوضع الاقتصادي والمالي. وأكد الغنوشي أن تونس تتجه نحو مزيد الغرق ومزيد الديون والتبعية في صورة عدم التوصل إلى توافقات مجتمعية، موضحا أنه على الحكومة أن تقود الحوار وتدعو إليه وتلتزم بتطبيق مخرجاته". وقد حاولت حركة النهضة التركيز على تناقضات المشهد الاقتصادي وتأثيراته على المسألة الاجتماعية وهي ذات النقاط التي نبه لها الامين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي الذي حذّر في اكثر من مناسبة وعبر عن تخوفات المنظمة من أزمات اجتماعية حادة نتيجة التحولات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. وتبنى الاتحاد خيارات الإصلاحات الاقتصادية ليدعو مثلا الى بعث لجنة وطنية مستقلّة لتقييم المراقبة البنكية وكذلك أعمال لجنة التحاليل المالية وتقديم الإجراءات الكفيلة بإعادة الاعتبار لدور البنك المركزي الرقابي على التداول المالي الدّاخلي والخارجي ودعم استقلاليته وإصلاح منظومات المراقبة المعلوماتية وتقييم المخاطر وتطوير أداء أجهزته وتعصير الإدارة ورقمنتها مع منح المسؤولية لذوي الكفاءة والخبرة والإلمام بعيدا عن المحسوبية والمحاصصة كذلك الإسراع بتطبيق قانون متعلّق بالتصريح بالمكاسب والمصالح في القطاع العام والوظيفة العمومية والقطاع الخاص وبمكافحة الإثراء غير المشروع مع إعادة النظر في الإعفاءات الجبائية. واذ توفرت نية الإصلاح انطلاقا من موقفي الغنوشي والطبوبي فان ذلك يتطلب دعما سياسيا واضحا وهو خيار تبناه الرئيس الباجي قائد السبسي في أكثر من خطاب مشترطا في هذا السياق مبدأ الاستقرار السياسي والاجتماعي. تهدئة سياسية ولان المسألة السياسية مدخل محوري لكل استقرار فمن المنتظر ان يتناول الاجتماع القادم لأقطاب الاستقرار الثلاثة "الغنوشي والطبوبي وقائد السبسي" دعائم التهدئة السياسية، بالرفع من قيمة الخطاب السياسي وتنظيفه من شوائب الحط من قيمة الرموز السياسية في البلاد، وبناء خطاب قادر على البناء واستعادة الثقة بين السياسيين أنفسهم وبين السياسيين والمواطن التونسي، وانهاء كل أشكال العنف المادي بين الفواعل السياسية من خلال ميثاق وطني جاد. ومن المتوقع ان ينهي هذا المحور كل أشكال الخلاف بين الجميع او الحد منها خاصة بعد عودة التوتر على جبهة الهوية على خلفية القبول بتقرير لجنة الحريات والمساواة ومعسكر الرفض ،الامر الذي دفع بإعادة الحديث عن الهوية من جديد في مشهد مشحون بالتوتر ذكر التونسيين بواقع الازمة إبان انتخابات المجلس الوطني التأسيسي حيث انقسم الشعب التونسي الى موقعين مختلفين، متناقضين احيانا. وقد عاد منسوب ازمة الهوية للتراجع مع احالة اشغال اللجنة على رف الأحداث وبعد ان تبنى رئيس الجمهورية تلك النقطة الوحيدة المتعلقة بالمساواة في الارث، ولئن خفظ الرئيس من زحمة التوتر بين التونسيين، فانه خيب امال قطاع واسع منهم حيث كان يمكنه ان يتجنب كل هذا التدافع الاجتماعي على الهوية بتجنب مثل هذه المبادرات اصلا، في وقت تحتاج فيه البلاد الى كل طاقاتها وابنائها للخروج من واقعها الرخو الى اخر اكثر صلابة. الاجتماع القادم قد يفتح بوابة الاستقرار فحضور شخص الرئيس سيدفع ببقية الحاضرين للمس الدعم السياسي، كما ان حضور الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل يبقى من اهم محركات الاستقرار الاجتماعي، اما حضور رئيس حركة النهضة فيمثل الدعم السياسي لما للحركة من حضور داخل مجلس النواب واساسا الدعم الاجتماعي لما لها من امتداد شعبي، فاللقاء القادم هو في الأصل فرصة لتعديل المسار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بين مرحلتين انتخابيتين اولى مضت منذ سنة 2014 واُخرى قادمة في 2019.