لم تعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المناقضة للشرعية الدولية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية لتفاجئ أحدا في وطننا العربي وبشكل خاص الفلسطينيين أنفسهم، والذين توقفوا عن التعويل على إدارته في الدفع باتجاه إيجاد حل سلمي يكفل حقوقهم كشعب اغتصبت أرضه وتعرض لأفظع وأشنع وأكثر احتلال دموية وإجراما على مدى التاريخ، لكثرة ما أبداه حتى قبل تنصيبه وإلى حد اليوم من انحياز فج لطروحات بنيامين ناتنياهو رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي وفكره الصهيوني التوسعي. هذا الرئيس الأمريكي الذي لم يتورع عن مخالفة سياسات جميع من سبقوه في هذا المنصب باتخاذه القرار غير المسبوق بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها خلافا لقرارات الأممالمتحدة التي تنص صراحة على أنها تقع ضمن الأراضي المحتلة التي يتعين إعادتها إلى الفلسطينيين في إطار تسوية سلمية محتملة، لا يبدو انه استوعب حتى الآن الحقيقة التي يدركها الجميع بمن فيهم حلفاؤه الغربيون، ألا وهي استحالة تحقيق أطماع حليفه الاسرائيلي على حساب ما يعتبره الطرف الفلسطيني ثوابت غير قابلة للتفويت فيها. وإلا فكيف نفسر تصريحاته الأخيرة التي اعتبر فيها أنه تمّ إزالة قضية القدس عن طاولة المفاوضات كنتيجة للاعتراف الأمريكي الأخير بها كعاصمة للكيان الاسرائيلي؟ ولنا أن نتساءل أيضا: عن أية مفاوضات يتحدث في ظل معرفته بموقف القيادة الفلسطينية منه ومن إدارته والمتمثل في وقف كافة أشكال المحادثات والاتصالات بين الجانبين والرفض القطعي لمشروع "صفقة القرن" الذي يعتزم طرحه؟ لقد كان حريا بالرئيس ترامب – وهو زعيم إحدى أكبر القوى العالمية والتي تملك نفوذا وتأثيرا كبيرين على السياسات الدولية – أن يراجع دروس تاريخ القضية الفلسطينية بصورة أكثر عمقا قبل أن يتجرأ ويجاهر بمثل هذا الموقف المنافي للحق والمبادئ العدالة الدولية، والذي لن يحقق له ما يرجوه من مكاسب. فلو كان قد فعل ذلك لأدرك أن قضية القدس والسيادة العربية الفلسطينية قضية غير قابلة للتجاوز بأي صورة من الصور والدليل على ذلك أنها شكلت على الدوام لب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والمطلب الذي يتقدم كل شروط التسوية السلمية الأخرى. فالقدس الشريف بمسجده الأقصى وقبة الصخرة المباركة عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية متربع في قلوب كافة أفراد الشعب الفلسطيني بمختلف تشكيلاته واتجاهاته وكافة الشعوب العربية والإسلامية، ولن يجد لا ترامب ولا غيره فلسطينيا واحدا يقبل بالتخلي عنه.