الناطق باسم ابتدائية تونس يوضح التهم الموجهة لبرهان بسيس ومراد الزغيدي    انقطاع في توزيع الماء بهذه المنطقة    ر م ع الصوناد: بعض محطات تحلية مياه دخلت حيز الاستغلال    صفاقس تتحول من 15 الى 19 ماي الى مدار دولي اقتصادي وغذائي بمناسبة الدورة 14 لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية    في الصّميم ... جمهور الإفريقي من عالم آخر والعلمي رفض دخول التاريخ    أخبار الأولمبي الباجي: تركيز على النجاعة الهجومية    سوسة : إيداع بالسجن في حق أكثر من 60 مهاجرا إفريقيا    سبيطلة.. الاطاحة بِمُرَوّجَيْ مخدرات    سيدي بوزيد.. اختتام الدورة الثالثة لمهرجان الابداعات التلمذية والتراث بالوسط المدرسي    المالوف التونسي في قلب باريس    الناصر الشكيلي (أو«غيرو» إتحاد قليبية) كوّنتُ أجيالا من اللاّعبين والفريق ضحية سوء التسيير    صفاقس جوان القادم الستاغ تركز اولى العدادات الذكية    مواجهة نارية منتظرة للإتحاد المنستيري اليوم في الدوري الإفريقي لكرة السلة    إصدار القرار المتعلّق بضبط تطبيق إعداد شهائد خصم الضريبة من المورد عبر المنصة الإلكترونية    نتائج استطلاع رأي أمريكي صادمة للاحتلال    حضور جماهيري غفير لعروض الفروسية و الرّماية و المشاركين يطالبون بحلحلة عديد الاشكاليات [فيديو]    حوادث: 07 حالات وفاة و اصابة 391 شخصا خلال يوم فقط..    انشيلوتي.. مبابي خارج حساباتي ولن أرد على رئيس فرنسا    الأونروا يكذب ادعاء الاحتلال بوجود مناطق آمنة في قطاع غزة    سيدي بوزيد: رجة أرضية بقوة 3,1    اليوم: إرتفاع في درجات الحرارة    الاحتفاظ بالاعلامي مراد الزغيدي مدة 48 ساعة    مظاهرات حاشدة في جورجيا ضد مشروع قانون "التأثير الأجنبي"    حالة الطقس ليوم الأحد 12 ماي 2024    وزير الخارجية يلتقي عددا من أفراد الجالية التونسية المقيمين بالعراق    عاجل : برهان بسيس ومراد الزغيدي بصدد البحث حاليا    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مصادر إسرائيلية تؤكد عدم وجود السنوار في رفح وتكشف مكانه المحتمل    تطاوين: إجماع على أهمية إحداث مركز أعلى للطاقة المتجددة بتطاوين خلال فعاليات ندوة الجنوب العلمية    عاجل/ تنفيذ بطاقة الجلب الصادرة في حق المحامية سنية الدهماني..    مع الشروق .. زيت يضيء وجه تونس    6 سنوات سجنا لقابض ببنك عمومي استولى على اكثر من نصف مليون د !!....    سوسة: أيّام تكوينية لفائدة شباب الادماج ببادرة من الجمعية التونسية لقرى الأطفال "أس أو أس"    حل المكتب الجامعي للسباحة واقالة المدير العام للوكالة الوطنية لمقاومة المنشطات والمندوب الجهوي للشباب والرياضة ببن عروس    النادي الافريقي - اصابة حادة لتوفيق الشريفي    بطولة الاردن المفتوحة للقولف - التونسي الياس البرهومي يحرز اللقب    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    تنظيم الدورة 35 لأيام قرطاج السينمائية من 14 إلى 21 ديسمبر 2024    مهرجان الطفولة بجرجيس عرس للطفولة واحياء للتراث    قيادات فلسطينية وشخصيات تونسية في اجتماع عام تضامني مع الشعب الفلسطيني عشية المنتدى الاجتماعي مغرب-مشرق حول مستقبل فلسطين    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    مدير مركز اليقظة الدوائية: سحب لقاح استرازينيكا كان لدواعي تجارية وليس لأسباب صحّية    عاجل/ الاحتفاظ بسائق تاكسي "حوّل وجهة طفل ال12 سنة "..    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس..    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    أسعارها في المتناول..غدا افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة    الجامعة التونسية لكرة القدم تسجل عجزا ماليا قدره 5.6 مليون دينار    عاجل : إيلون ماسك يعلق عن العاصفة الكبرى التي تهدد الإنترنت    استشهاد 20 فلسطينياً في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة..#خبر_عاجل    صفاقس: الإحتفاظ بشخصين من أجل مساعدة الغير على إجتياز الحدود البحرية خلسة    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    الجزائر تتوقع محصولا قياسيا من القمح    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل: عندما يتحطم زجاج السيارة.. يخرب الوطن!
نشر في الصباح يوم 10 - 09 - 2018

لا يبدو أن أيا من المجالات أو القطاعات قد سلم من فوضى انكشاف العورات وتفاقمها، فالخدمات الصحية والبنية التحتية والمعيشة التي ترتفع تكلفتها يوما بعد يوم ووضع المطارات وجودة الخدمات واحترام قواعد السلامة الغذائية والمحافظة على النظافة وغيرها كثير من قائمة الأمور التي لم تعد كما كانت عليه، فسقط عن مساوئها القناع أو تراجعت سنوات ضوئية حتى بتنا نسمع كثيرا من المتأففين والمتذمرين المتأسفين على حال تونس وما وصلت إليه.
ولو عدنا بخط الأحداث ولو قليلا إلى الوراء، لتبين لنا ربما أن كل شيء قد بدأ بعطب في مكان محدود، بتغاضي هذا أو ذاك عن القيام بما يجب القيام به.. عن اتخاذ الإجراء الواجب اتخذته.. كل شيء بدأ بزجاج مكسور. فانطلقت أحداث التراجع والتقهقر إلى الوراء وبات الحال اليوم سيئا لدرجة لم يبلغها من قبل. وليس في ذلك قراءة تشاؤمية لوضع بلد لا ينفك مواطنوه عن الإغراق في التشاؤم والكفر بإمكانية أن يؤدي أمر ما إلى تغيير للأفضل، زد على ذلك مشاحنات السياسيين وصراعاتهم التي قد تحيّر كل من يرى أنه لم يعد هنالك الكثير للصراع حوله.
السيارة التي تهشمت أولا
الخطوات والتفاصيل الأولى هي التي تفاقم الأمور إلى حد أزمة. والأمر بغاية البساطة فإن كانت الظروف المحيطة ايجابية فقلما ما يمكن أن يتجه الفرد إلى التكسير والتخريب وإلقاء الفضلات في الشارع وعدم المبالاة. والأمر تشير إليه نظرية النوافذ المحطمة التي عرفت النور في مقال لجايمس ويلسون وجورج كيلينغ عام 1982 تحت عنوان «النوافذ المحطمة. الشرطة وسلامة الحي» لتتطور فيما بعد النظرية سنة 1996 في كتاب شارك كيلينغ في كتابته. هذه النظرية تقوم على افتراض أن ظاهرة غير ضارة نسبيا مثل القمامة في الشارع أو الكتابة على الجدران أو وجود سيارات مهجورة يمكن أن تؤدي إلى وضع أسوأ يقوم على حالة كاملة من الإهمال مع ارتفاع معدلات جرائم العنف والاعتداء على الممتلكات. فعوامل مثل أعقاب السجائر في الشارع وأكياس القمامة على الأرصفة والمباني المتهرئة التي لم يتم إصلاحها كلها تمثل بيئة يمكن أن تحفز على سلوك غير مرغوب فيه معاد للمجتمع بحسب الباحثين.
فإذا قمنا مثلا باختبار بسيط مثل وضع سيارة جديدة في حي شعبي ترتفع فيه نسب الجريمة والفقر وسيارة جديدة أخرى في حي هادئ يقطنه الأثرياء ونخبة المجتمع، وعند العودة لتفقد السيارتين بعد مدة من الزمن والتأكد من سلامتهما ومدى تعرضهما للسرقة والتخريب، النتيجة تكون متوقعة.. فقد تعرضت السيارة في الحي الأول فعلا للتخريب والسرقة وبقيت السيارة في حي الأثرياء على حالها لم يمسسها مكروه.
وفي حقيقة الأمر كان من السهل جدا أن نستنتج أن ثقافة التخريب والسرقة طبقت على السيارة عندما وضعت في محيط يقوم على التخريب والسرقة ولكن في الحي الهادئ لم يحدث التنكيل بالسيارة.
نافذة واحدة تكفي
ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فعندما نلحق تغييرا بسيطا بالسيارة يتغير كل شيء. فتحطيم نافذة السيارة التي وضعت في الحي الهادئ وتركها مدة معينة انجر عنه تعرضها للسرقة والتخريب مثلما حدث مع السيارة في الحي الشعبي الفقير وهنا يتضح أن تلك العوامل البسيطة غير السليمة وعندما يتم إهمالها تتفاقم إلى مشاكل اجتماعية أكبر. فقد لا يتجه الكثيرون للتخريب وإهدار الأملاك أو حتى إلقاء الفضلات على الأرض لأن النظافة المحيطة ستشعر الفرد بتأنيب الضمير وبأنه يأتي فعلا غير مقبول وحتى وإن لم يكن من المهتمين بالنظافة، فإنه قد يخير إلقاء الفضلات في السلة المخصصة بدل إلقائها في الطريق النظيف وهذا ربما ما يفسر أن الكثير ممن يهاجرون إلى الخارج يتبنون سلوكيات جديدة إما حبا أو كرها.
ولكن بمجرد أن يتحطم زجاج السيارة يكون الأمر بمثابة الضوء الأخضر لمزيد التخريب والسرقة، لأن الفرد هنا لن يأتي فعلا جديدا على محيط متجانس سليم ونظيف وإنما هو يكرس واقعا موجودا فعلا فتتسع دائرة التخريب والسلبية.
وهذا تماما ما يبدو أننا نعيشه اليوم فكثيرة هي الأخبار عن تدهور القطاعات، وتراجع الخدمات، عن المستشفيات العمومية التي قد لا توجد كلمات لوصف وضعها، عن السجون الممتلئة، عن الشوارع غير النظيفة، عن الطرقات غير المهيأة والتي ما أن يتم إنجازها حتى يغلق الطريق مجددا للإصلاحات، عن عدم الاحترام، عن الحقد والكراهية، وعن الغضب المستشري في نفوس من يجلسون وراء عجلة القيادة على الطرقات، عن الاقتصاد الذي يتراجع.. كل ذلك بدأ بخطأ، بغرفة لا تصلح للآدميين في مستشفى إلى أن تحول كل المستشفى إلى تلك الحالة، بعمود نور لا يعمل إلى أن غرقت كل الطرقات في الظلام، إلى طريق غير نظيف إلى أن أصبحت كل الطرق كذلك. وفي النهاية لن تنقلب لعنة نظرية النوافذ المحطمة إلى العكس حتى يصلح كل منا زجاج سيارته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.